وَالنَّصَارَى رَأَيْتَهَا مُخْتَلِفَةً اخْتِلَافًا يَقْطَعُ مَنْ وَقَفَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ جِهَةِ التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ نُسَخَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ إِنَّمَا هِيَ عِنْدَ رُؤَسَاءِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَلَيْسَتْ عِنْدَ عَامَّتِهِمْ، وَلَا يَحْفَظُونَهَا فِي صُدُورِهِمْ كَحِفْظِ الْمُسْلِمِينَ الْقُرْآنَ، وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَى الْجَمَاعَةِ الْقَلِيلَةِ التَّوَاطُؤُ عَلَى تَغْيِيرِ بَعْضِ النُّسَخِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ بَقِيَّتُهُمْ لَا يَحْفَظُونَهَا، فَإِذَا قَصَدَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَغْيِيرَ نُسْخَةٍ أَوْ نُسَخٍ عِنْدَهُمْ، أَمْكَنَ ذَلِكَ، وَهَذَا وَاقِعٌ فِي الْعَالَمِ كَثِيرًا. فَهَؤُلَاءِ الْيَهُودُ تَوَاطَئُوا وَتَوَاصَوْا بِكِتْمَانِ نُبُوَّةِ الْمَسِيحِ وَجَحْدِ الْبِشَارَةِ وَتَحْرِيفِهَا، وَاشْتَهَرَ ذَلِكَ بَيْنَ طَوَائِفِهِمْ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، وَكَذَلِكَ تَوَاطَئُوا عَلَى أَنَّهُ كَانَ طَبِيبًا سَاحِرًا مُمَخْرِقًا ابْنَ زِنْيَةٍ، وَتَوَاصَوْا بِهِ مَعَ رُؤْيَتِهِمُ الْآيَاتِ الْبَاهِرَةَ الَّتِي أُرْسِلَ بِهَا، وَعِلْمِهِمْ أَنَّهُ أَبْعَدُ خَلْقِ اللَّهِ مِمَّا رُمِيَ بِهِ، وَشَاعَ مَا تَوَاطَئُوا عَلَيْهِ وَمَلَئُوا بِهِ كُتُبَهُمْ شَرْقًا وَغَرْبًا، وَكَذَلِكَ تَوَاطَئُوا عَلَى أَنَّ لُوطًا نَكَحَ ابْنَتَيْهِ وَأَوْلَدَهُمَا أَوْلَادًا، وَشَاعَ ذَلِكَ فِيهِمْ جَمِيعِهِمْ، وَتَوَاطَئُوا عَلَى أَنَّ اللَّهَ نَدِمَ وَبَكَى عَلَى الطُّوفَانِ، وَعَضَّ أَنَامِلَهُ، وَصَارَعَ يَعْقُوبَ فَصَرَعَهُ يَعْقُوبُ، وَأَنَّهُ رَاقِدٌ عَنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ يَسْأَلُونَهُ أَنْ يَنْتَبِهَ مِنْ رَقْدَتِهِ وَشَاعَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِهِمْ. وَكَذَلِكَ تَوَاطَئُوا عَلَى فُصُولٍ لَفَّقُوهَا بَعْدَ زَوَالِ مَمْلَكَتِهِمْ، يُصَلُّونَ بِهَا لَمْ تُعْرَفْ عَنْ مُوسَى، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَتْبَاعِهِ، كَقَوْلِهِمْ فِي صَلَاتِهِمْ: اللَّهُمَّ اضْرِبْ بِبُوقٍ عَظِيمٍ لِعِتْقِنَا، وَاقْبِضْنَا جَمِيعًا مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ إِلَى قُدْسِكَ، سُبْحَانَكَ، يَا جَامِعَ تَشْتِيتِ قَوْمِ إِسْرَائِيلَ.
وَقَوْلُهُمْ فِيهَا: (ارْدُدْ حُكْمَنَا) كَالْأَوَّلِينَ وَمَسِيرَتَنَا كَالِابْتِدَاءِ، وَابْنِ أُورْشَلِيمَ قَرْيَةَ قُدْسِكَ فِي أَيَّامِنَا كَمَا وَعَدْتَنَا بِبِنَائِهَا، سُبْحَانَكَ، يَا بَانِيَ أُورْشَلِيمَ، وَلَمْ يَكُنْ مُوسَى وَقَوْمُهُ يَقُولُونَ فِي صَلَاتِهِمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى قَوْلِهِمْ فِي صَلَاةِ أَوَّلِ الْعَامِ مَا حَكَيْنَاهُ عَنْهُمْ، وَكَذَلِكَ تَوَاطُؤُهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute