فَلَمَّا مَنَعَ بَتْرَكُ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ آرِيُوسَ مِنْ دُخُولِ الْكَنِيسَةِ وَلَعَنَهُ، خَرَجَ آرِيُوسَ مُسْتَعْدِيًا عَلَيْهِ وَمَعَهُ أُسْقُفَّانِ، فَاسْتَغَاثُوا إِلَى قُسْطَنْطِينَ، وَقَالَ آرِيُوسُ: إِنَّهُ تَعَدَّى عَلَيَّ وَأَخْرَجَنِي مِنَ الْكَنِيسَةِ ظُلْمًا، وَسَأَلَ الْمَلِكَ أَنْ يُشْخِصَ بَتْرَكَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ لِيُنَاظِرَهُ قُدَّامَ الْمَلِكِ، فَوَجَّهَ قُسْطَنْطِينُ بِرَسُولٍ إِلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَأَشْخَصَ الْبَتْرَكَ وَجَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آرِيُوسَ يُنَاظِرُهُ، فَقَالَ قُسْطَنْطِينُ لِآرِيُوسَ: اشْرَحْ مَقَالَتَكَ.
قَالَ آرِيُوسُ: أَقُولُ: إِنَّ الْأَبَّ كَانَ إِذَا لَمْ يَكُنِ الِابْنُ، ثُمَّ إِنَّهُ أَحْدَثَ الِابْنَ، وَكَانَ كَلِمَةً لَهُ إِلَّا أَنَّهُ مُحْدَثٌ مَخْلُوقٌ، ثُمَّ فَوَّضَ الْأَمْرَ إِلَى ذَلِكَ الِابْنِ الْمُسَمَّى كَلِمَةً، فَكَانَ هُوَ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا، كَمَا قَالَ فِي إِنْجِيلِهِ إِذْ يَقُولُ: وَهَبْ لِي سُلْطَانًا عَلَى السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَكَانَ هُوَ الْخَالِقُ لَهُمَا بِمَا أُعْطِيَ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّ الْكَلِمَةَ تَجَسَّدَتْ مِنْ مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ، وَمِنْ رُوحِ الْقُدُسِ فُطِرَ ذَلِكَ مَسِيحًا وَاحِدًا، فَالْمَسِيحُ الْآنَ مَعْنَيَانِ كَلِمَةٌ وَجَسَدٌ إِلَّا أَنَّهُمَا جَمِيعًا مَخْلُوقَانِ.
فَأَجَابَهُ عِنْدَ ذَلِكَ بَتْرَكُ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَقَالَ: تُخْبِرُنَا أَيُّمَا أَوْجَبُ عَلَيْنَا عِنْدَكَ: عِبَادَةُ مَنْ خَلَقَنَا أَوْ عِبَادَةُ مَنْ لَمْ يَخْلُقْنَا؟
قَالَ آرِيُوسُ: بَلْ عِبَادَةُ مَنْ خَلَقَنَا.
قَالَ لَهُ الْبَتْرَكُ: فَإِنْ كَانَ خَالِقُنَا الِابْنَ - كَمَا وَصَفْتَ - وَكَانَ الِابْنُ مَخْلُوقًا، فَعِبَادَةُ الِابْنِ الْمَخْلُوقِ أَوْجَبُ مِنْ عِبَادَةِ الْأَبِ الَّذِي لَيْسَ بِخَالِقٍ، بَلْ تَصِيرُ عِبَادَةُ الْآبِ الَّذِي خَلَقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute