للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ عَرَفُوا مَعْبُودَهُمْ لَمَا قَالُوا فِي بَعْضِ مُخَاطَبَاتِهِمْ لَهُ: يَا أَبَانَا انْتَبِهْ مِنْ رَقْدَتِكَ لَا تَنَمْ.

وَلَوْ عَرَفُوهُ لَمَا سَارَعُوا إِلَى مُحَارَبَةِ أَنْبِيَائِهِ وَقَتْلِهِمْ وَحَبْسِهِمْ وَنَفْيِهِمْ، وَلَمَا تَحَايَلُوا عَلَى تَحْلِيلِ مَحَارِمِهِ وَإِسْقَاطِ فَرَائِضِهِ بِأَنْوَاعِ الْحِيَلِ.

وَلَقَدْ شَهِدَتِ التَّوْرَاةُ بِعَدَمِ فَطَانَتِهِمْ وَأَنَّهُمْ مِنَ الْأَغْبِيَاءِ.

وَلَوْ عَرَفُوهُ لَمَا حَجَرُوا عَلَيْهِ بِعُقُولِهِمُ الْفَاسِدَةِ أَنْ يَأْمُرَ بِالشَّيْءِ فِي وَقْتٍ لِمَصْلَحَةٍ ثُمَّ يُزِيلَ الْأَمْرَ بِهِ فِي وَقْتٍ آخَرَ لِحُصُولِ الْمَصْلَحَةِ، وَيُبَدِّلَ بِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وَيَنْهَى عَنْهُ، ثُمَّ يُبِيحَهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ لِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَحْوَالِ فِي الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ، كَمَا هُوَ شَاهِدٌ فِي أَحْكَامِهِ الْقَدَرِيَّةِ الْكَوْنِيَّةِ الَّتِي لَا يَتِمُّ نِظَامُ الْعَالَمِ وَلَا مَصْلَحَتُهُ إِلَّا بِتَبَدُّلِهَا وَاخْتِلَافِهَا بِحَسْبِ الْأَحْوَالِ وَالْأَوْقَاتِ وَالْأَمَاكِنِ، فَلَوِ اعْتَمَدَ طَبِيبٌ أَنْ لَا يُغَيِّرَ الْأَدْوِيَةَ وَالْأَغْذِيَةَ بِحَسْبِ اخْتِلَافِ الْأَزْمَانِ وَالْأَمَاكِنِ وَالْأَحْوَالِ لَأَهْلَكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَعُدَّ مِنَ الْجُهَّالِ، فَكَيْفَ يُحْجَرُ عَلَى طَبِيبِ الْقُلُوبِ وَالْأَدْيَانِ أَنْ تَتَبَدَّلَ أَحْكَامُهُ بِحَسْبِ اخْتِلَافِ الْمَصَالِحِ؟ وَهَلْ ذَلِكَ إِلَّا قَدْحٌ فِي حِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَمُلْكِهِ التَّامِّ وَتَدْبِيرِهِ بِخَلْقِهِ؟

وَمِنْ جَهْلِهِمْ بِمَعْبُودِهِمْ وَرَسُولِهِ وَأَمْرِهِ، أَنَّهُمْ أُمِرُوا أَنْ يَدْخُلُوا بَابَ الْمَدِينَةِ الَّتِي فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ سُجَّدًا، وَيَقُولُوا حِطَّةٌ، فَيَدْخُلُوا مُتَوَاضِعِينَ لِلَّهِ سَائِلِينَ مِنْهُ أَنْ يَحُطَّ عَنْهُمْ خَطَايَاهُمْ، فَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَائِهِمْ بَدَلَ السُّجُودِ لِلَّهِ، وَيَقُولُونَ: حِنْطًا سُقْمًا، أَيْ حِنْطَةٌ سَمْرَاءُ، فَذَلِكَ سُجُودُهُمْ وَخُضُوعُهُمْ، وَهَذَا اسْتِغْفَارُهُمْ وَاسْتِقَالَتُهُمْ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>