سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَوَقَفُوا عَلَى قَبْرِ هَارُونَ، فَقَالَ مُوسَى: يَا هَارُونُ، أَقُتِلْتَ أَمْ مُتَّ؟ فَقَالَ: بَلْ مُتُّ وَمَا قَتَلَنِي أَحَدٌ.
فَحَسْبُكَ مِنْ جَهَالَةِ أُمَّةٍ وَجَفَائِهِمْ أَنَّهُمُ اتَّهَمُوا نَبِيَّهُمْ وَنَسَبُوهُ إِلَى قَتْلِ أَخِيهِ، فَقَالَ مُوسَى: مَا قَتَلْتُهُ فَلَمْ يُصَدِّقُوهُ حَتَّى أَسْمَعَهُمْ كَلَامَهُ وَبَرَّأَهُ أَخُوهُ مِمَّا رَمَوْهُ بِهِ.
وَمِنْ جَهْلِهِمْ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شَبَّهُهُمْ فِي حَمْلِهِمُ التَّوْرَاةَ، وَعَدَمِ الْفِقْهِ فِيهَا، وَالْعَمَلِ بِهَا بِالْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا، وَفِي هَذَا التَّشْبِيهِ مِنَ النِّدَاءِ عَلَى جَهَالَتِهِمْ وُجُوهٌ مُتَعَدِّدَةٌ مِنْهَا:
أَنَّ الْحِمَارَ مِنْ أَبْلَدِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي يُضْرَبُ بِهَا الْمَثَلُ فِي الْبَلَادَةِ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَوْ حَمَلَ غَيْرَ الْأَسْفَارِ مِنْ طَعَامٍ أَوْ عَلَقٍ أَوْ مَاءٍ لَكَانَ لَهُ بِهِ شُعُورٌ مَا.
وَمِنْهَا: أَنَّهُمْ حِينَ حُمِّلُوهَا حَيْثُ حُمِّلُوهَا تَكْلِيفًا وَقَهْرًا لَا أَنَّهُمْ حَمَلُوهَا طَوْعًا وَاخْتِيَارًا، بَلْ كَانُوا كَالْمُكَلَّفِينَ لَمَّا حُمِّلُوا لَمْ يَرْفَعُوا بِهِ رَأْسًا.
وَمِنْهَا: أَنَّهُمْ حَيْثُ حُمِّلُوهَا تَكْلِيفًا وَقَهْرًا لَمْ يَرْضَوْا بِهَا وَلَمْ يَحْمِلُوهَا رِضَاءً وَاخْتِيَارًا، وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ حَمْلِهَا، وَأَنَّهُمْ إِنْ حَمَلُوهَا اخْتِيَارًا كَانَتْ لَهُمُ الْعَاقِبَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَمِنْهَا: أَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَصَالِحِ مَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ وَسَعَادَتِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِعْرَاضُهُمْ عَنِ الْتِزَامِ مَا فِيهِ سَعَادَتُهُمْ وَفَلَاحُهُمْ إِلَى ضِدِّهِ مِنْ غَايَةِ الْجَهْلِ وَالْغَبَاوَةِ، وَعَدَمِ الْفَطَانَةِ، وَمِنْ جَهْلِهِمْ وَقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ أَنَّهُمْ طَلَبُوا عِوَضَ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute