وذلك عند ذكر كلمة "يوم بغاث"، فقد نقل التاج عن التهذيب "قال الأزهري: لقد ذكر الليث هذه الكلمة بالغين وصوابها بالعين المهملة، ولا يعقل أن هذا رأي الخليل، وإنما صحفت على الليث ومقام الخليل يجل عن هذا١. وقد أنهى التاج هذا الاقتباس بقوله: وذكر أبو عبيدة أن الخليل روى عنه "بغاث" بالغين أيضًا.
ويمكن هنا أن نذكر تعبير العين نفسه لنرى إلى أي حد يتفق مع هذا:-
"ويوم بغاث، وقعة كانت بين الأوس والخزرج، ويقال: بعاث بالعين، وبغاث: على موضع أميال من المدينة".
ومن هذا نرى أن الأزهري كان يتقصد مواضع معينة من "العين"، ويغير من تعبيره -إذا صح لنا أن نسمي الحذف تغييرًا، ليلتمس من ذلك سبيلًا إلى تخطئته.
وهذا المثال وأشباهه قد سبب ارتباكًا كبيرًا لكثير من اللغويين الذين ما كانوا يجرؤون على رد قول لغوي كالأزهري بل أنهم أكثر من هذا نقلوا عن كتابين ينتسبان لمدرستين مختلفين مما بدا في صورة المتناقض. وهذا أيضًا ما جعل المتأخرين أمثال السيوطي، والزبيدي لا يقطعون في تلك المسألة برأي حاسم، بل اكتفيا بذكر ما وقعت أعينهم عليه.
وأيا ما كان، فقد كان لطول كتاب التاج، وذكره لمختلف الروايات فضل أي فضل في اكتشاف أدلة جديدة ضد صاحب التهذيب في جملته على كتاب العين لينفي نسبته عن الخليل بحجة أنه فوق مستوى الخطأ أو الشبهات.
١ ورد ما يقرب من ذلك في مقدمة الأزهري في كتاب التهذيب ص٢٨.