والآن لنوضح كيف وضع الخليل كتاب العين لعل هذا الإيضاح يوفقنا على الظروف الخامسة التي أحاطت بكتاب العين، والتي اشتبهت على البعض حتى دعتهم إلى التشكك في نسبة الكتاب.
لقد كان معاصرو الخليل من اللغويين يجمعون الكلمات الصعبة المعاني في نظرهم في كتيبات، أو رسائل ليشرحوها وقد عرف هذا اللون من المفردات باسم الغريب، وقد كانت فكرة كل كتيب تدور حول مجموعة من الكلمات المتصلة بموضوع واحد لتبيان معناهما. أراد الخليل أن ينهج منهجًا جديدًا في هذا الميدان، فوضع نصب عينيه تحقيق فكرتين الأولى معالجة جميع مفردات اللغة أو بعبارة أدق جميع موادها وشرحها. الثانية وضع ذلك في نظام يؤمن معه التكرار، أو فوات بعض المواد.
وقد رأى أن الطريقة السائدة في عصره وإن كانت مقبولة في موضعها إلا أنها لا تقبل في شكلها إذ لو ألف على نظامها ألف رسالة، ورسالة لم يؤمن التكرار ولم يتأكد من ذكر جميع المواد. وقد اعتنى اللغويون الأولون بالغريب فقط، ولكن الخليل رأى أن يسجل كل مواد اللغة على طريقة رياضية.
والخليل كما نعلم استغل عبقريته في الرياضة وعلم الأصوات اللغوية، في القوانين الصوتية التي بنى عليها المهمل، والمستعمل وحيث إن بعض أنواع المهمل يمكن حصرها، فرأى أن يتبع نظامًا يكشف له هذا، وبطريق المقارنة يمكن أن يهتدي إلى المستعمل.