هذا هو ثالث المعاجم التي اتخذت التقليب كأساس في ترتيب المفردات، أو بعبارة أخرى اتبعت ترتيب الخليل. وهو تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري المتوفى سنة ٣٧٠ هجرية.
والأزهري معدود من بين اللغويين الذين اعتمد عليهم المتأخرون في تأليف معاجمهم، وعلى الأخص ابن منظور في لسان العرب.
وقد تمتع الأزهري بشهرة كبيرة في علوم اللغة والفقه، وكان يميل إلى المذهب الشيعي الذي لم يكن يستطيع أن يتخلص منه حتى في مؤلفاته اللغوية، وقد تعلم على أيدي أساتذة مشهورين أمثال المنذري، ونفطويه وهذا الأخير قد أورثه خصومة ابن دريد ومهاجمته، وعند رحيل الأزهري إلى بغداد شأن كل العلماء في عصره قابل ابن دريد، وابن السراج وقد ذكرت كتب الطبقات١ أنه رغم مقابلته لهما لم يرو عنهما، ولكن كتابه التهذيب ينكر هذا. فنجد بين طيات الكتاب اقتباسات كثيرة عن ابن دريد، وابن السراج لا تقل عن اقتباساته عن غيرهما من اللغويين.
ولكن الأخذ عن الرواة السابقين لم يكن بدعًا من الأزهري في ذلك الوقت، فقد كان طابع العصر كله، ومن اللغويين من أتيحت له فرصة السماع من العرب فسجل ما سمع في كتبه، وكان للأزهري من هذا حظ كبير عندما وقع أسيرًا في أيدي القرامطة. فسنحت له الفرصة بالاختلاط بالبدو، والعرب الخلص الذين كانوا يتكلمون كما يخبرنا هو بالعربية الفصحى.