للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكنا قد توقعنا أن يكون أغلب كتاب الأزهري من حيث ذكر المفردات، وشرحها منقولًا عن أفواه العرب الذين شافههم أثناء مدة أسره، ولكنه نادرًا ما فعل ذلك حتى إن تعبيره الذي يستشف منه النقل المباشر عن البدو، وهو "قالت العرب": هذا التعبير موجود بكثرة حتى في كتب اللغة المتأخرة مما لا يدل دلالة على قاطعة على أن المقصود هو مشاقة الأعراب للنقل عنهم.

ومهما يكن من أمر فإن التهذيب يعد ضمن المصادر اللغوية للمعاجم المتأخرة. وإننا ليسترعينا في كتاب التهذيب طريقة نقله من العين، فقد وعد الأزهري في المقدمة أنه سوف لا ينقل عن الليث الذي ألف -في رأيه- كتاب العين ونحله للخليل. إلا أنه اعتمد أولًا على كتاب العين دون أن يصرح بذكر اسم الكتاب، أو اسم المؤلف حتى التعبيرات التي رواها عن علماء آخرين متأخرين عن الخليل تتفق في أكثر الأحيان مع تعبير كتاب العين.

كما أن الأزهري أيضًا ناقض نفسه حين ذكر في المقدمة أنه سوف لا ينقل من الليث في العين، ولا عن ابن دريد في الجمهرة إلا للرد عليهما ومناقشتهما. وبالرجوع للتهذيب نجد أنه قد نقل عنهما وصرح بذكرهما تحت تعبير "قال الليث، قال ابن دريد" شأنهما في ذلك شأن غيرهما من الرواة الذين اعتمد عليهم الأزهري، وعدهم من الثقاة كأبي عبيدة واللحياني.

وهذه المسألة أيضًا اتبعها مع الخزرنجى الذي ذكره في مقدمة التهذيب، وأطال الكلام عنه ووصفه بأنه ليس ثقة ولا ثبتًا في حين أن الأزهري اقتبس كثيرًا من كتاب الخزرنجي "تكملة العين" إذ ينقل عنه كثيرًا جدًّا في أول كل مادة خصوصًا المواد النادرة الاستعمال التي تصل في ندرتها إلى درجة المهمل.

وعلى العموم، فإن الأزهري رغم حملته على أكثر معاصريه من اللغويين، فإنه قد حفظ لنا بقدر الإمكان صورة عن تنظيم هذا الكتاب، وتبويبها واستطعنا أن نعرف شيئًا عنها رغم ضياعها. ولندع الأزهري الآن حتى تعود إليه مرة أخرى لننتصف منه للغويين الذين هاجمهم، وتعصب ضدهم.

<<  <   >  >>