للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالروايات العلمية فقد ذكر لنا أن الخليل عندما ضاقت به الحال في البصرة رحل إلى الليث في خراسان. فوجد فيه ميلًا شديدًا للغة، وإطلاعًا واسعًا ودراية بالشعر. وزيادة على ذلك وجد من إكرام ضيافته ما جعله يقيم عنده إقامة معززة مكرمة قد عوضت عليه بعض أيام الفقر في البصرة، فقدم له الخليل أغلى هدية عنده، وهي كتاب العين الذي كان قد بدأه: لعله يقصد بدأ فكرته. ثم أتمه عنده في حياته: وقد دفع له الليث جائزة كبرى على ذلك، كما عكف على دراسة الكتاب ليلًا، ونهارًا حتى كاد يحفظه عن ظهر قلب.

وقد طاب لليث يومًا من الأيام أن يشتري جارية حسناء مما أحفظ قلب زوجته عليه، وأشعل نار الغيرة في صدرها. ولقد كادت له امرأته فرأت أن تنتقم منه في أعز شيء لديه. غاب الليث عدة أيام عن منزله ثم عاد فتفقد كتاب العين فلم يجده. ولكنه أحسن أن زوجته قد فعلت به شيئًا. وكان حسن الظن عندما حسب أنها قد أخفته. فساومها على إرجاع الكتاب. وقد كان الثمن شيئًا تحبه زوجته أكثر من المال إذ وعدها بأن يهدي لها جاريته، ومعنى هذا أنها تصبح محرمة عليه، وأن امرأته حرة في أن تعتقها، أو تتبيعها من تشاء خارج المدينة. ولكن زوجته أحضرت إليه رماد الكتاب الذي كانت قد أحرقته.

لم يتوان الليث عن التفكير في طريقة يحيي بها الكتاب من جديد، فأخذ يكتب مرة أخرى ما كان يحفظه من الكتاب حتى أتم نصفه تقريبًا. ثم جمع بعضًا من اللغويين المعاصرين الذين عاونوه على إتمام الكتاب١.

ب- الخليل وضع كتاب العين والليث أكمله:

ونسب هذا الرأي إلى أبي الطيب اللغوي الذي ذكر أن الخليل بدأ


١ ولكن ابن المعتز لم يستطع معرفة اسم واحد من هؤلاء اللغويين.

<<  <   >  >>