للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالشَّرْطُ الثَّانِي: وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَى اعْتِبَارِهِ، وَلَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالْعَقْلِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّكْلِيفُ مِنْ عِلْمِهِ بِالْمُدْرَكَاتِ الضَّرُورِيَّةِ، حَتَّى يَكُونَ صَحِيحَ التَّمْيِيزِ، جَيِّدَ الْفَطِنَةِ، بَعِيدًا عَنِ السَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ، يَتَوَصَّلُ بِذَكَائِهِ إلَى إيضَاحِ مَا أَشْكَلَ وَفَصَلَ مَا أَعْضَلَ.

وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ: الْحُرِّيَّةُ؛ لِأَنَّ نَقْصَ الْعَبْدِ عَنْ وِلَايَةِ نَفْسِهِ يَمْنَعُ مِنِ انْعِقَادِ وِلَايَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّ الرِّقَّ لَمَّا مَنَعَ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَمْنَعَ مِنْ نُفُوذِ الْحُكْمِ وَانْعِقَادِ الْوِلَايَةِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَنْ لَمْ تَكْمُلْ حُرِّيَّتُهُ مِنَ الْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ، وَمَنْ رُقَّ بَعْضُهُ، وَلَا يَمْنَعُهُ الرِّقُّ أَنْ يُفْتِيَ، كَمَا لَا يَمْنَعهُ الرِّقُّ أَنْ يَرْوِيَ بِعَدَمِ الْوِلَايَةِ فِي الْفَتْوَى وَالرِّوَايَةِ.

وَيَجُوزُ لَهُ إذَا عَتَقَ أَنْ يَقْضِيَ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ وَلَاءٌ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي وِلَايَةِ الْحُكْمِ.

وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ: الْإِسْلَامُ لِكَوْنِهِ شَرْطًا فِي جَوَازِ الشَّهَادَةِ مَعَ قَوْلِ اللَّهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: ١٤١] .

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَلَّدَ الْكَافِرُ الْقَضَاءَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَا عَلَى الْكُفَّارِ.

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ الْقَضَاءَ بَيْنَ أَهْلِ دِينِهِ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ عُرْفُ الْوُلَاةِ بِتَقْلِيدِهِ جَارِيًا فَهُوَ تَقْلِيدُ زَعَامَةٍ وَرِئَاسَةٍ، وَلَيْسَ بِتَقْلِيدِ حُكْمٍ وَقَضَاءٍ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُمْ حُكْمُهُ لِالْتِزَامِهِمْ لَهُ لَا لُزُومِهِ لَهُمْ، وَلَا يَقْبَلُ الْإِمَامُ قَوْلَهُ فِيمَا حَكَمَ بِهِ بَيْنَهُمْ.

وَإِذَا امْتَنَعُوا مِنْ تَحَاكُمِهِمْ إلَيْهِ لَمْ يُجْبَرُوا عَلَيْهِ، وَكَانَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِمْ أَنْفَذَ.


= تكون قاضية في كل شيء تقبل فيه شهادة النساء، وعنده أنَّ شهاة النساء تقبل في كل شيء إلّا في الحدود والجِرَاح، فهي عنده تقضي في كل شيء إلّا في الحدود والجراح. وقال ابن جرير الطبري: يصح أن تكون قاضية في كل شيء. [جوهر العقود: ٢/ ٢٩٠] .
وروى ابن أبي مريم عن أبي القاسم جواز ولاية المرأة. قال ابن عرفة: قال ابن زرقون: أظنه فيما تجوز فيه شهادتها. قال ابن عبد السلام: لا حاجة لهذا التأويل لاحتمال أن يكون ابن القاسم قال كقول الحسن والطبري بإجازة ولايتها القضاء مطلقًا. قلت: الأظهر قول ابن زرقون؛ لأن ابن عبد السلام قال في الرد على من شذَّ مِنَ المتكلمين وقال: الفسق لا ينافي القضاء ما نصه: وهذا ضعيف جدًّا؛ لأن العدالة شرط في قبول الشهادة والقضاء أعظم حرمة منها.
قلت: فجعل ما هو منافٍ الشهادة منافٍ للقضاء، وأن النكاح والطلاق والعتق والحدود لا تقبل فيها شهادتها، فكذلك لا يصح فيها قضاؤها، انتهى. [مواهب الجليل: ٦/ ٨٨] .

<<  <   >  >>