للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَصْلٌ: "فِي بَيَانِ حُكْمِ الخِلَافَةِ"

فَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ الْإِمَامَةِ فَفَرْضُهَا عَلَى الْكِفَايَةِ كَالْجِهَادِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ، فَإِذَا قَامَ بِهَا مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا سَقَطَ فَرْضُهَا عَلَى الْكِفَايَةِ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِهَا أَحَدٌ خَرَجَ مِنَ النَّاسِ فَرِيقَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَهْلُ الِاخْتِيَارِ حَتَّى يَخْتَارُوا إمَامًا لِلْأُمَّةِ١.

وَالثَّانِي: أَهْلُ الْإِمَامَةِ حَتَّى يَنْتَصِبَ أَحَدُهُمْ لِلْإِمَامَةِ، وَلَيْسَ عَلَى مَنْ عَدَا هَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْأُمَّةِ فِي تَأْخِيرِ الْإِمَامَةِ حَرَجٌ وَلَا مَأْثَمٌ، وَإِذَا تَمَيَّزَ هَذَانِ الْفَرِيقَانِ مِنَ الْأُمَّةِ فِي فَرْضِ الْإِمَامَةِ وَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمَا بِالشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِيهِ.

فَأَمَّا أَهْلُ الِاخْتِيَارِ فَالشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِيهِمْ ثَلَاثَةٌ:

أَحَدُهَا: الْعَدَالَةُ الْجَامِعَةُ لِشُرُوطِهَا٢


١ وهذا كما حدث بعد مقتل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه.
٢ أقول: فالعدالة أمر مهم لا بُدَّ أن يتوافَر في أهل الشورى، حتى يؤتَمَنوا على مصالح المسلمين فضلًا على الإسلام، ولكن ما العدالة؟ يقول الأستاذ عبد القادر عودة في تحديد مفهومها:
"والعدالة هى التحلِّي بالفرائض والفضائل، والتخلِّي عن المعاصي والرذائل، وعمَّا يخِلُّ بالمروءة أيضًا".
فالعدالة في مجملها: هي الاستقامة الدينية التى تجعل صاحبها ملتزمًا بما يمليه عليه دينه في كل شيء؛ أقواله وأفعاله واعتقاده، فهي بمعنًى آخر: التقوى والورع.
فإذا تحققت هذه العدالة في أيِّ إنسان فإنّها ستحيط جميع أقواله وأفعاله بسياج من الطهارة والوضوح، فيلتزم بما يمليه عليه ضميره الديني ووَرَعَه وتقاه.
لذلك كان شرط العدالة مُهِمًّا في كلِّ مَنْ يُخْتَار ليكون من أهل الحلِّ والعقدِ، بل وهو مهم في كل فردٍ حتى يكون صالحًا نافعًا لدينه ولوطنه.
لقد أثبت التاريخ أنَّ أهل التقوى هم أقدر الناس على نفع الرعية وخيرها، كما أثبت أنَّ طلاب السلطة من أهل الدنيا هم أقل الناس قدرة على هذا، بل هم دائمًا سبب شقاء العباد وفساد البلاد.
لذلك فلا ينيغي أن يكون من بين أهل الشورى مَنْ يَقْدَح في ذمته أو من يستبيح الكذب وخداع الناس!

<<  <   >  >>