الجنايات على النفوس ثلاث: عمد، وخطأ، وعمد شبه الخطأ.
فأمَّا العمد المحض: فهو أن يتعمَّد قتل النفس بما يقطع بحده كالحديد، أو بما يمور في اللحم مور الحديد، أو ما يقتل غالبًا بثقله كالحجارة والخشب، فهو قتل عمد يوجب الحد.
وقال أبو حنيفة: العمد الموجب للقود ما قتل بحده من حديد وغيره إذا مار في اللحم مورًا، ولا يكون ما قتل بثقله أو ألمه من الأحجار والخشب عمدًا، ولا يوجب قودًا. وحكم العمد عند الشافعي أن يكون وليّ المقتول حرًّا مع تكافؤ الدمين بين القود والدية. وقال أبو حنيفة: لولي المقتول أن ينفرد بالقود، وليست له الدية إلَّا عن مراضاة القاتل. وولي الدم هو وارث المال من ذكر أو أنثى بفرض أو تعصيب. وقال مالك: أولياؤه ذكور الورثة دون إناثهم، ولا قود لهم إلَّا أن يجتمعوا على استيفائه، فإن عفا أحدهم سقط القود ووجبت الدية.
وقال مالك: لا يسقط، وإذا فيهم صغير أو مجنون لم يكن للبالغ والعاقل أن ينفرد بالقود، وتكافؤ الدمين عند الشافعي أن لا يفضل القاتل على المقتول بحرية، ولا إسلام، فإن فضل القاتل عليه بأحدهما، فقتل حر عبدًا، أو مسلم كافرًا، فلا قود عليه. وقال أبو حنيفة: لا اعتبار بهذا التكافؤ، فيقتل الحر بالعبد والمسلم بالكافر، كما يقتل العبد بالحر والكافر بالمسلم، وما تتحاماه النفوس من هذا وتأباه قد منع القائلين به من العمل عليه.
حكي أنَّه رفع إلى أبي يوسف القاضي مسلم قتل كافرًا فحكم عليه بالقود، فأتاه رجل برقعة فألقاها إليه، فإذا فيها مكتوب [من السريع] :
يا قاتل المسلم بالكافر ... جرت وما العادل كالجائر
يا من ببغداد وأطرافها ... من علماء الناس أو شاعر
استرجعوا وابكوا على دينكم ... واصطبروا فالأجر للصابر