للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[فصل: "الشروط التي ينبغي توافرها في الخليفة"]

وَأَمَّا أَهْلُ الْإِمَامَةِ فَالشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِيهِمْ سَبْعَةٌ:

أَحَدُهَا: الْعَدَالَةُ عَلَى شُرُوطِهَا الْجَامِعَةِ١.

وَالثَّانِي: الْعِلْمُ الْمُؤَدِّي إلَى الِاجْتِهَادِ فِي النَّوَازِلِ وَالْأَحْكَامِ٢.

وَالثَّالِثُ: سَلَامَةُ الْحَوَاسِّ مِنْ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَاللِّسَانِ؛ لِيَصِحَّ مَعَهَا مُبَاشَرَةُ مَا يُدْرَكُ بِهَا.

وَالرَّابِعُ: سَلَامَةُ الْأَعْضَاءِ مِنْ نَقْصٍ يَمْنَعُ عَنِ اسْتِيفَاءِ الْحَرَكَةِ وَسُرْعَةِ النُّهُوضِ٣.


١ أمَّا العدالة: فالمراد بها أن يكون صاحب استقامة في السيرة، وأن يكون متجنبًا الأفعال والأحوال الموجبة للفسق والفجور، فكما لا يكون الظالم والغادر مستحقًّا للخلافة، لا يكون المتَّصِف بالتآمر والتحايل كمثل تسليم قطيعٍ من الغنم للذئب وجعله راعيًا لها. وأقوى برهان على ذلك قوله تعالى لإبراهيم -عليه السلام- عندما سأله أن يجعل الإمامة في ذريته: {لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} ، أي: لا يستحقونها ولا يصلون إليها، والقصد الأساسي من تنصيب الخليفة هو دفع الظلم عن الناس لا تسليط الظلم عليهم، فلذا لا يجوز عند علماء الإسلام كافَّة انتخاب من هو بالظلم والبغي خليفة، كما أنَّ الخليفة الذي ارتكب الظلم والطغيان أثناء خلافته يستحقّ العزل، بل إنَّه عند قدماء الشافعية وعلى رأسهم الشافعي نفسه: ينعزل ولو لم تعزله الأمة. "فقه الخلافة وتطورها، ص ٩١".
٢ يستلزم أغلبية الفقهاء أن يكون الخليفة على درجة كبيرة من العلم، فلا يكفي أن يكون عالمًا، بل يجب أن يبلغ مرتبة الاجتهاد في الأصول والفروع على السواء؛ لكي يكون قادرًا على تنفيذ شريعة الإسلام، ودفع الشبهات عن العقائد، وإعطاء فتاوى في المسائل التي تقتضيها، وإصدار الأحكام استنادًا إلى النصوص أو إلى الاستنباط؛ لأن الغرض الأساسي للخلافة هو صيانة العقائد وحل المشاكل والفصل في المنازعات. "فقه الخلافة وتطورها، ص ٩٢".
قلت: وينبغي أن يكون الإمام إلى جانب علمه بأحكام الإسلام مثقَّفًا ثقافة عالية، مُلِمًّا بأطرافٍ من علوم عصره، ويا حبَّذا لو كان متخصِّصًا في بعضها، ويكون على علمٍ بتاريخ الدول وأخبارها، وبالقوانين والمعاهدات الدولية، والعلاقات السياسية والتجارية والتاريخية.
٣ قلت: وقد فرَّق ابن خلدون في مقدمته بين العيوب الجسمية المطلقة التي تمنع الخليفة من أداء وظيفته، كأن يكون أعمى أو أخرس، أو أصمّ، أو مقطوع اليدين، أو الرجلين، ففي هذه الحالة لا يكون المرشَّح أهلًا للخلافة، أمَّا إن كان أعور أو أصمَّ بإحدى أذنيه، أو مقطوعًا إحدى يديه، ففي هذه الحالة يبقى المرشَّح أهلًا للرئاسة.

<<  <   >  >>