للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالْخَامِسُ: الرَّأْيُ الْمُفْضِي إلَى سِيَاسَةِ الرَّعِيَّةِ وَتَدْبِيرِ الْمَصَالِحِ١.

وَالسَّادِسُ: الشَّجَاعَةُ وَالنَّجْدَةُ الْمُؤَدِّيَةُ إلَى حِمَايَةِ الْبَيْضَةِ وَجِهَادِ الْعَدُوّ٢ِ.

وَالسَّابِعُ: النَّسَبُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ٣؛ لِوُرُودِ النَّصِّ فِيهِ وَانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِضِرَارٍ٤ حِينَ شَذَّ فَجَوَّزَهَا فِي جَمِيعِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- احْتَجَّ يَوْمَ السَّقِيفَةِ عَلَى الْأَنْصَارِ فِي دَفْعِهِمْ عَنِ الْخِلَافَةِ لَمَّا بَايَعُوا سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ عَلَيْهَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ" ٥ فَأَقْلَعُوا عَنْ التَّفَرُّدِ بِهَا وَرَجَعُوا عَنِ الْمُشَارَكَةِ فِيهَا حِينَ قَالُوا: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، تَسْلِيمًا لِرِوَايَتِهِ وَتَصْدِيقًا لِخَبَرِهِ وَرَضُوا بِقَوْلِهِ: نَحْنُ الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ، وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلَا تَقَدَّمُوهَا" ٦.

وَلَيْسَ مَعَ هَذَا النَّصِّ الْمُسَلَّمِ شُبْهَةٌ لِمُنَازِعٍ فِيهِ، وَلَا قَوْلٌ لِمُخَالِفٍ لَهُ٧.


١ قلت: ويعبِّر بعض الفقهاء عن هذا الشرط بالحكمة، والحق أنَّ هذه الحكمة غالبًا ما تُكْتَسَب بالخبرة والتجربة، لكن غاية ما ينبغي أن يتوفَّر في المرشَّحِ لمنصب الخليفة أن يكون قادرًا على سياسة الأمور سياسةً دقيقة ناتجة عن حِنْكَة وتجربة وفهمٍ للواقع.
٢ ذلك أنَّ الخليفة هو قائد الجيوش الإسلامية، ولا يتَّسق أن يكون قائد جيوش المسلمين جبانًا أو متخاذلًا عن الدفاع عن قضايا الإسلام الكبرى.
٣ ويشمل ذلك كل من كان من ذرية قريش، التي تنتسب إلى جدِّها الأول "النضر بن كنانة"، الملقَّب بقريش، ولقد كان لهذه القبيلة في الجاهلية نفوذ كبير بين العرب من الناحية الدينية والأدبية. وبعد انتشار الإسلام في أنحاء الجزيرة، وخاصة بعد فتح مكة، وعفو النبي -صلى الله عليه وسلم- عن القرشيين، زاد نفوذهم زيادة عظيمة، وخاصَّة لكون النبيّ وكبار صحابته كانوا من قريشِ، وقد تأكَّد هذا النفوذ نهائيًّا بتولِّي أبي بكر الخلافة، الذي كان معناه الاعتراف بسلطة قريش، وكان الخلفاء الأربعة الراشدون قرشيين أيضًا، وكذلك الأمويون والعباسيون، وطبقًا لمذهب أهل السنة: لا نزاع في وجوب توفُّر هذا الشرط، فهو لازم بالإجماع تقريبًا، إلَّا أن بعض فقهاء السنة، ومنهم ابن خلدون، فضلًا عن المعتزلة والخوارج يميلون إلى إلغاء هذا الشرط. "فقه الخلافة وتطورها: ص ٩٦".
٤ قلت: هو ضرار بن عمرو المعتزلي، إليه تنسب الفرقة الضرارية من المعتزلة، كان يقول: يمكن أن يكون جميع من في الأرض مِمَّن يظهر الإسلام كافرًا؛ توفِّي في حدود الثلاثين ومائتين.
٥ صحيح: رواه أحمد "١١٨٩٨"، وصحَّحه الشيخ الألباني في صحيح الجامع "٢٧٥٨".
٦ صحيح: ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح، وقال: أخرجه عبد الرزَّاق بإسناد صحيح، لكنَّه مرسل وله شواهد، وصحَّحه الشيخ الألباني في صحيح الجامع "٢٩٦٦".
٧ والنظرية الأخرى التى أخذ بها الخوارج وغالبية المعتزلة، يقول هؤلاء: إنَّ الخلافة ممكنة لأيِّ شخص، ولو لم يمكن قرشيًّا، وحجتهم في ذلك الحديث النبوي: "اسمعوا وأطيعوا ولَوْ وُلِّيَ عليكم عبد حبشي" مما يدل -في نظرهم- على أنَّ الإمام يمكن أن يكون غير قرشي، بل إنَّ ضرار بن عمرو الغطفاني -وهو من فقهاء المعتزلة- يرى أنَّه يجب أن يفضَّل الزنجيّ على القرشيّ إذا كان كلاهما في درجة واحدة من الأهلية؛ لأنَّ الزنجي يكون من السهل عزله إذا خرج عن واجباته كخليفة. "فقه الخلافة وتطورها: ص ٩٨".

<<  <   >  >>