للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْبَابُ الْخَامِسَ عَشَرَ: فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَاسْتِخْرَاجِ الْمِيَاهِ

مَنْ أَحْيَا مَوَاتًا مَلَكَهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ إحْيَاؤُهُ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "لَيْسَ لِأَحَدٍ إلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِهِ"١.

وَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا فَهِيَ لَهُ" ٢ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مِلْكَ الْمَوَاتِ مُعْتَبَرٌ بِالْإِحْيَاءِ دُونَ إذْنِ الْإِمَامِ.

وَالْمَوَاتُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ: كُلُّ مَا لَمْ يَكُنْ عَامِرًا وَلَا حَرِيمًا لِعَامِرٍ فَهُوَ مَوَاتٌ، وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِعَامِرٍ٣.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْمَوَاتُ مَا بَعُدَ مِنَ الْعَامِرِ، وَلَمْ يَبْلُغْهُ الْمَاءُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْمَوَاتُ كُلُّ أَرْضٍ إذَا وَقَفَ عَلَى أَدْنَاهَا مِنَ الْعَامِرِ مُنَادٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ لَمْ يَسْمَعْ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهَا فِي الْعَامِرِ، وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ يَخْرُجَانِ عَنِ الْمَعْهُودِ فِي اتِّصَالِ الْعِمَارَاتِ، وَيَسْتَوِي فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ جِيرَانُهُ وَالْأَبَاعِدُ.

وَقَالَ مَالِكٌ: جِيرَانُهُ مِنْ أَهْلِ الْعَامِرِ أَحَقُّ بِإِحْيَائِهِ مِنَ الْأَبَاعِدِ؛ وَصِفَةُ الْإِحْيَاءِ مُعْتَبَرَةٌ بِالْعُرْفِ فِيمَا يُرَادُ لَهُ الْإِحْيَاءُ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَطْلَقَ ذِكْرَهُ إحَالَةً عَلَى الْعُرْفِ الْمَعْهُودِ فِيهِ؛ فَإِنْ أَرَادَ إحْيَاءَ الْمَوَاتِ لِلسُّكْنَى كَانَ إحْيَاؤُهُ بِالْبِنَاءِ وَالتَّسْقِيفِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ كَمَالِ الْعِمَارَةِ الَّتِي يُمْكِنُ سُكْنَاهَا.


١ ضعيف جدًّا: أورده الهيثمي في مجمع الزوائد "٥/ ٣٣١"، وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه عمرو بن واقد وهو متروك.
قال الزيلعي: رواه الطبراني في معجمه الكبير الأوسط، وهو معلول بعمرو بن واقد، ورواه إسحاق بن راهويه في مسنده، وذكره البيهقي في المعرفة في باب إحياء الموات بهذا الإسناد، ثم قال: وهو منقطع بين مكحول ومن فوقه، وراويه عن مكحول مجهول، وهذا إسناد لا يُحتَجُّ به, انتهى. وهذا السند وارد على الطبراني فإنه قال في معجمه الأوسط: لا يُرْوَى هذا الحديث عن معاذ وحبيب إلّا بهذا الإسناد، انتهى. ولو قال: لا نعلم لكان أسلم له والله أعلم [نصب الراية: ٣/ ٤٣٠] .
٢ صحيح: رواه مالك في كتاب الأقضية من موطئه "١٤٥٦"، وأبو داود في كتاب الخراج والإمارة "٣٠٧٣"، والترمذي في كتاب الأحكام "١٣٧٨"، وصحَّحَه الشيخ الألباني.
٣ انظر: [معنى المحتاج: ٢/ ٣٦١] .

<<  <   >  >>