للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الباب السادس عشر: في الحمى والأرفاق]

وحمى الموات هو المنع من إحيائه إملاكًا؛ ليكون مستبقى الإباحة لنبت الكلأ ورعي المواشي.

قد حمى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة، وصعد جبلًا بالبقيع.

قال أبو عبيد: هو النقيع١بالنون٢.

وقال: "هذا حماي -وأشار بيده إلى القاع"٣.

وهو قدر ميل في ستة أميال حماه لخيل المسلمين من الأنصار والمهاجرين، فأمَّا حمى الأئمة من بعده، فإن حموا به جميع الموات أو أكثره لم يجز؛ وإن حموا أقله لخاص من الناس أو لأغنيائهم لم يجز.

وإن حموه لكافَّة المسلمين أو للفقراء والمساكين ففي جوازه قولان:

أحدهما: لا يجوز ويكون الحمى خاصًّا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم؛ لرواية الصعب بن جثامة أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين حمى البقيع قال: "لا حمى إلّا لله ولرسوله" ٤.


١ النقيع بالنون: موضع ينتقع فيه ماء فيكثر فيه الخصب.
قال ابن مفلح الحنبلي: وللإمام أن يحمي -بفتح أوله وضمه- أي: يمنع أرضًا من الموات ترعى فيها دواب المسلمين التي يقوم بحفظها كخيل المجاهدين وإبل الصدقة وضوال الناس؛ لما روى عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حمى النقيع لخيل المسلمين. رواه أبو عبيد. [المبدع: ٥/ ٢٦٤] .
٣ لم أقف عليه.
٤ صحيح: رواه البخاري في كتاب المساقاة "٢٣٧٠"، وأبو داود في كتاب الخراج والإمارة "٣٠٨٣"، وأحمد "٢٧٨٠٩".
قال الشافعي: يحتمل معنى الحديث شيئين؛ أحدهما: ليس لأحد أن يحمي للمسلمين إلَّا ما حماه النبي -صلى الله عليه وسلم، والآخر: معناه: إلَّا على مثل ما حماه النبي -صلى الله عليه وسلم، فعلى الأوَّل ليس لأحد من الولاة بعده أن يحمي، وعلى الثاني يختص الحِمَى بمن قام مقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الخليفة خاصة، وأخذ أصحاب الشافعي من هذا أنَّ له في هذا قولين، والراجح عندهم الثاني، والأول أقرب إلى ظاهر اللفظ، لكن رجَّحوا الأول، والمراد بالحمى منع الرعي في أرض مخصوصة من المباحات، فيجعلها الإمام مخصوصة =

<<  <   >  >>