فذلك الذي يحكم بميوله دون علمٍ يسهل التغرير به وإيقاعه في الخطأ، فيكون حكمه على الأمور بعيدًا عن الصواب كثيرًا. فالشورى لا بُدَّ لمن يتصدَّى لها أن يكون من أهل العلم بالأحكام الشرعية والفقهية؛ بحيث يعرف الحلال من الحرام، ويمتلك أدوات الاجتهاد من قياسٍ واستنباطٍ ومراعاة لمصالح الأمة.... إلخ، أو على الأقلِّ يمتلك معظم هذه الأدوات. "والعلم المقصود هو العلم بمعناه الواسع، فيدخل فيه علم الدين وعلم السياسة وغيرهما من العلوم، ولا يشترط أن يكون العالم منهم ملمًّا بكلِّ العلوم، بل يكفي أن يكون ملمًّا بفرعٍ من العلوم كالهندسة أو الطبِّ أو غير ذلك، وليس من الضروري أن يكون العلماء جميعًا مجتهدين، فيكفي أن يتوفَّر الاجتهاد في مجموعهم لا في كلِّ فرد منهم". ٢ قلت: ويراد بهذا الشرط الحكمة والعقل الراجح الذي يمكِّنُ صاحبه من اختيار الرأي الأصوب، ويساعده على الترجيح بين الأمور؛ فلأنهم هم أهل الرأي وهم المستشارون في كل كبيرة وصغيرة، لا بُدَّ أن يكونوا من أصحاب الرأي السديد والقول الصائب، الذين يزنون الأمور بميزان العقل والحكمة، بعيدين عن الاندفاع. "ويشترط فيمن يصلح للشورى أن يكون مِمَّنْ عُرِفَ بجودة الرأي والحكمة، ولا يشترط فيه أن يكون من ذوي العصبية؛ لأن أساس الشورى هو الرأي الصحيح الحكيم المتفق مع الشرع المجرَّد من الهوى والعصبية". وقيل: "إذا كنت مستشيرًا فتوخَّ ذا الرأي والنصيحة، فإنه لا يكتفي برأي من لا ينصح، ولا نصيحة من لا رأي له". وهذه الشروط التي استنبطناها من سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم، وسنته الفعلية، وسيرة الخلفاء الراشدين من بعده، هي -في مجملها- الشروط التي يراها كثير من علماء الإسلام وفقهائه قديمًا وحديثًا.