للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْعَامِ الْمَاضِي، فَقَالَ: تِلْكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا، وَهَذِهِ عَلَى مَا نَقْضِي.

فَلَوْ شَرَطَ الْمُوَلِّي وَهُوَ حَنَفِيٌّ أَوْ شَافِعِيٌّ عَلَى مَنْ وَلَّاهُ الْقَضَاءَ أَنْ لَا يَحْكُمَ إلَّا بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَوْ أَبِي حَنِيفَةَ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ عُمُومًا فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ، فَهَذَا شَرْطٌ بَاطِلٌ، سَوَاءٌ كَانَ مُوَافِقًا لِمَذْهَبِ الْمُوَلِّي أَوْ مُخَالِفًا لَهُ، وَأَمَّا صِحَّةُ الْوِلَايَةِ فَإِنْ لَمْ يَجْعَلْهُ شَرْطًا فِيهَا، وَأَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْأَمْرِ أَوْ مَخْرَجَ النَّهْيِ، وَقَالَ: قَدْ قَلَّدْتُكَ الْقَضَاءَ فَاحْكُمْ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ، أَوْ لَا تَحْكُمُ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ -عَلَى وَجْهِ النَّهْيِ، كَانَتْ الْوِلَايَةُ صَحِيحَةً وَالشَّرْطُ فَاسِدًا، سَوَاءٌ تَضَمَّنَ أَمْرًا أَوْ نَهْيًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ، سَوَاءٌ وَافَقَ شَرْطَهُ أَوْ خَالَفَهُ، وَيَكُونُ اشْتِرَاطُ الْمُوَلِّي لِذَلِكَ قَدْحًا فِيهِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ اشْتَرَطَ مَا لَا يَجُوزُ، وَلَا يَكُونُ قَدْحًا إنْ جَهِلَ، لَكِنْ لَا يَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ بِهِ أَنْ يَكُونَ مُوَلِّيًا وَلَا وَالِيًا، فَإِنْ أَخْرَجَ ذَلِكَ مَخْرَجَ الشَّرْطِ فِي عَقْدِ الْوِلَايَةِ فَقَالَ: قَدْ قَلَّدْتُكَ الْقَضَاءَ عَلَى أَنْ لَا تَحْكُمَ فِيهِ إلَّا بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، أَوْ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، كَانَتْ الْوِلَايَةُ بَاطِلَةً؛ لِأَنَّهُ عَقَدَهَا عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ.

وَقَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ: تَصِحُّ الْوِلَايَةُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ خَاصًّا فِي حُكْمٍ بِعَيْنِهِ؛ فَلَا يَخْلُو الشَّرْطُ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا أَوْ نَهْيًا، فَإِنْ كَانَ أَمْرًا فَقَالَ لَهُ: أَقِدْ مِنْ الْعَبْدِ بِالْحُرِّ، وَمِنْ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ، وَاقْتَصَّ فِي الْقَتْلِ بِغَيْرِ الْحَدِيدِ، كَانَ أَمْرُهُ بِهَذَا الشَّرْطِ فَاسِدًا، ثُمَّ إنْ جَعَلَهُ شَرْطًا فِي عَقْدِ الْوِلَايَةِ فَسَدَتْ، وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْهُ شَرْطًا فِيهَا صَحَّتْ، وَحَكَمَ فِي ذَلِكَ بِمَا يُؤَدِّيهِ اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ نَهْيًا فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدِهِمَا: أَنْ يَنْهَاهُ عَنِ الْحُكْمِ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ وَالْحُرِّ بِالْعَبْدِ، وَلَا يَقْضِي فِيهِ بِوُجُوبِ قَوَدٍ وَلَا بِإِسْقَاطِهِ فَهَذَا جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ اقْتَصَرَ بِوِلَايَتِهِ عَلَى مَا عَدَاهُ فَصَارَ ذَلِكَ خَارِجًا عَنْ نَظَرِهِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَنْهَاهُ عَنِ الْحُكْمِ وَيَنْهَاهُ عَنِ الْقَضَاءِ فِي الْقِصَاصِ.

فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذَا النَّهْيِ هَلْ يُوجِبُ صَرْفَهُ عَنِ النَّظَرِ فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدِهِمَا: أَنْ يَكُونَ صَرْفًا عَنِ الْحُكْمِ فِيهِ، وَخَارِجًا عَنْ وِلَايَتِهِ، فَلَا يَحْكُمُ فِيهِ بِإِثْبَاتِ قَوَدٍ وَلَا بِإِسْقَاطِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الصَّرْفَ عَنْهُ، وَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْأَمْرِ بِهِ وَيُثْبِتُ صِحَّةَ النَّظَرِ إنْ لَمْ يَجْعَلْهُ شَرْطًا فِي التَّقْلِيدِ، وَيَحْكُمُ فِيهِ بِمَا يُؤَدِّيهِ اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ.

<<  <   >  >>