بَيْنَهُمْ إجْبَارًا، إلَّا أَنْ يُفَوَّضَ الْحُكْمُ إلَيْهِ، فَيُعْتَبَرُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِهِ، فَيَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ، فَإِنْ دَخَلُوا بَلَدًا فِيهِ حَاكِمٌ جَازَ لَهُ وَلِحَاكِمِ الْبَلَدِ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ، فَأَيُّهُمَا حَكَمَ نَفَذَ حُكْمُهُ، وَلَوْ كَانَ التَّنَازُعُ بَيْنَ الْحَجِيجِ وَأَهْلِ الْبَلَدِ لَمْ يَحْكُمْ بَيْنَهُمْ إلَّا حَاكِمُ الْبَلَدِ.
وَالتَّاسِعُ: أَنْ يُقَوِّمَ زَائِغَهُمْ وَيُؤَدِّبَ خَائِنَهُمْ، وَلَا يَتَجَاوَز التَّعْزِيرَ إلَى الْحَدِّ، إلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فِيهِ، فَيَسْتَوْفِيَهُ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ.
فَإِنْ دَخَلَ بَلَدًا فِيهِ مَنْ يَتَوَلَّى إقَامَةَ الْحُدُودِ عَلَى أَهْلِهِ نَظَرَ، فَإِنْ كَانَ مَا أَتَاهُ الْمَحْدُودُ قَبْلَ دُخُولِ الْبَلَدِ؛ فَوَالِي الْحَجِيجِ أَوْلَى بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ مِنْ وَالِي الْبَلَدِ، وَإِنْ كَانَ مَا أَتَاهُ الْمَحْدُودُ فِي الْبَلَدِ فَوَالِي الْبَلَدِ أَوْلَى بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ مِنْ وَالِي الْحَجِيجِ.
وَالْعَاشِرُ: أَنْ يُرَاعِيَ اتِّسَاعَ الْوَقْتِ حَتَّى يُؤْمَنَ الْفَوَاتَ، وَلَا يُلْجِئَهُمْ ضِيقُهُ إلَى الْحَثِّ فِي السَّيْرِ، فَإِذَا وَصَلَ إلَى الْمِيقَاتِ أَمْهَلَهُمْ لِلْإِحْرَامِ وَإِقَامَةِ سُنَنِهِ، فَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ مُتَّسِعًا عَدَلَ بِهِمْ إلَى مَكَّةَ؛ لِيَخْرُجُوا مَعَ أَهْلِهَا إلَى الْمَوَاقِفِ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ ضَيِّقًا عَدَلَ بِهِمْ عَنْ مَكَّةَ إلَى عَرَفَةَ؛ خَوْفًا مِنْ فَوَاتِهَا فَيَفُوتَ الْحَجُّ بِهَا، فَإِنَّ زَمَانَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ مَا بَيْنَ زَوَالِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، فَمَنْ أَدْرَكَ الْوُقُوفَ بِهَا فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا الزَّمَانِ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَإِنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِهَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَعَلَيْهِ إتْمَامُ مَا بَقِيَ مِنْ أَرْكَانِهِ وَجُبْرَانِهِ بِدَمٍ وَقَضَاؤُهُ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ إنْ أَمْكَنَهُ، وَفِيمَا بَعْدَهُ إنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ، وَلَا يَصِيرُ حَجُّهُ عُمْرَةً بِالْفَوَاتِ وَلَا يَتَحَلَّلُ بَعْدَ الْفَوَاتِ إلَّا بِإِحْلَالِ الْحَجِّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ: يَتَحَلَّلُ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَصِيرُ إحْرَامُهُ بِالْفَوَاتِ عُمْرَةً، وَإِذَا أَوْصَلَ الْحَجِيجَ إلَى مَكَّةَ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَوْدِ مِنْهُمْ، فَقَدْ زَالَتْ عَنْهُ وِلَايَةُ الْوَالِي عَلَى الْحَجِيجِ، فَلَمْ تَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ يَدٌ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ عَلَى الْعَوْدِ فَهُوَ تَحْتَ وِلَايَتِهِ، وَمُلْتَزِمٌ أَحْكَامَ طَاعَتِهِ، فَإِذَا قَضَى النَّاسُ حَجَّهُمْ أَمْهَلَهُمْ الْأَيَّامَ الَّتِي جَرَتْ بِهَا الْعَادَةُ فِي إنْجَازِ عَلَائِقِهِمْ، وَلَا يُرْهِقُهُمْ فِي الْخُرُوجِ فَيَضُرَّ بِهِمْ، فَإِذَا عَادَ بِهِمْ سَارَ بِهِمْ طَرِيقَ الْمَدِينَةِ لِزِيَارَةِ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِيَجْمَعَ لَهُمْ بَيْنَ حَجِّ بَيْتِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ، وَزِيَارَةِ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رِعَايَةً لِحُرْمَتِهِ، وَقِيَامًا بِحُقُوقِ طَاعَتِهِ، وَلَئِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ فُرُوضِ الْحَجِّ، فَهُوَ مَنْ نُدِبَ الشَّرْعِ الْمُسْتَحَبَّةِ، وَعَادَاتِ الْحَجِيجِ الْمُسْتَحْسَنَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute