لِأَهْلِ السَّهْمَانِ؛ فَقَدْ وَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى خَرْصِ الثِّمَارِ عُمَّالًا وَقَالَ لَهُمْ: "خَفِّفُوا الْخَرْصَ فَإِنَّ فِي الْمَالِ الْوَصِيَّةَ وَالْعَرِيَّةَ وَالْوَاطِئَةَ وَالنَّائِبَةَ".
فَالْوَصِيَّةُ مَا يُوصِي بِهَا أَرْبَابُهَا بَعْدَ الْوَفَاةِ، وَالْعَرِيَّةُ: مَا يُعْرَى لِلصِّلَاتِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ، وَالْوَاطِئَةُ مَا تَأْكُلُهُ السَّابِلَةُ مِنْهُمْ، وَسَمُّوهَا وَاطِئَةً لِوَطْئِهِمْ الْأَرْضَ، وَالنَّائِبَةُ: مَا يَنُوبُ الثِّمَارَ مِنَ الْجَوَائِحِ.
فَأَمَّا ثِمَارُ الْبَصْرَةِ فَيُخْرَصُ كُرُومُهَا وَهُمْ فِي خَرْصِهَا كَغَيْرِهِمْ، وَلَا يُخْرَصُ عَلَيْهِمْ نَخْلُهَا لِكَثْرَتِهِ وَلُحُوقِ الْمَشَقَّةِ فِي خَرْصِهِ، فَإِنَّهُمْ يُبِيحُونَ فِي التَّعَاوُنِ أَكْلَ الْمَارَّةِ مِنْهَا، وَإِنَّمَا مَا قَدَّرَ لَهُمْ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ مِنْ ثَنَايَاهَا فِي يَوْمَيِ الْجُمُعَةِ وَالثُّلَاثَاءِ يُصْرَفُ مُعْظَمُهُ فِي أَهْلِ الصَّدَقَاتِ، وَجُعِلَ لَهُمْ فِي عِوَضِ الثَّنَايَا كِبَارُ الثِّمَارِ، وَحَمْلُهَا إلَى كُرْسِيِّ الْبَصْرَةِ لِيُسْتَوْفَى أَعْشَارُهَا مِنْهُمْ هُنَاكَ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ هَذَا غَيْرَهُمْ، فَصَارُوا بِذَلِكَ مُخَالِفِينَ لِمَنْ سِوَاهُمْ.
وَلَا يَجُوزُ خَرْصُ الْكَرْمِ وَالنَّخْلِ إلَّا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، فَيُخْرَصَانِ بُسْرًا وَعِنَبًا، وَيُنْظَرُ مَا يَرْجِعَانِ إلَيْهِ تَمْرًا وَزَبِيبًا، ثُمَّ يُخَيَّرُ أَرْبَابُهَا إذَا كَانُوا أُمَنَاءَ بَيْنَ ضَمَانِهَا بِمَبْلَغِ خَرْصِهَا لِيَتَصَرَّفُوا فِيهَا وَيَضْمَنُوا قَدْرَ زَكَاتِهَا؛ وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ فِي أَيْدِيهِمْ أَمَانَةٌ يُمْنَعُونَ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهَا حَتَّى تَتَنَاهَى، فَتُؤْخَذُ زَكَاتُهَا إذَا بَلَغَتْ.
وَقُدِّرَ لِلزَّكَاةِ الْعُشْرُ إنْ سُقِيَتْ عَذْبًا أَوْ سَيْحًا، وَنِصْفُ الْعُشْرِ إنْ سُقِيَتْ غَرْبًا أَوْ نَضْحًا؛ فَإِنْ سُقِيَتْ بِهِمَا فَقَدْ قِيلَ: يُعْتَبَرُ أَعْلَاهُمَا، وَقِيلَ: يُؤْخَذُ بِقِسْطِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِذَا اخْتَلَفَ رَبُّ الْمَالِ وَالْعَامِلُ فِيمَا سُقِيَتْ بِهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّهَا، وَأَحْلَفَهُ الْعَامِلُ اسْتِظْهَارًا، فَإِنْ نَكَلَ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا مَا اعْتَرَفَ بِهِ، وَيَضُمُّ أَنْوَاعَ النَّخْلِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ، وَكَذَلِكَ أَنْوَاعُ الْكَرْمِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَلَا يُضَمُّ النَّخْلُ إلَى الْكَرْمِ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْجِنْسِ.
وَإِذَا كَانَتْ ثِمَارُ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ تَصِيرُ تَمْرًا وَزَبِيبًا لَمْ تُؤْخَذْ زَكَاتُهُمَا إلَّا بَعْدَ تَنَاهِي جَفَافُهُمَا تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يُؤْخَذُ إلَّا رُطَبًا أَوْ عِنَبًا أُخِذَ عُشْرُ ثَمَنِهِمَا إذَا بِيعَا، فَإِنِ احْتَاجَ أَهْلُ السَّهْمَانِ إلَى حَقِّهِمْ مِنْهُمَا رُطَبًا أَوْ عِنَبًا جَازَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إذَا قِيلَ: إنَّ الْقِسْمَةَ تَمْيِيزُ نَصِيبٍ، وَلَمْ يَجُزْ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي إذَا قِيلَ: إنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعٌ، وَإِذَا هَلَكَتْ الثِّمَارُ بَعْدَ خَرْصِهَا بِجَائِحَةٍ مِنْ أَرْضٍ أَوْ سَمَاءٍ قَبْلَ إمْكَانِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ مِنْهَا سَقَطَتْ، وَإِنْ هَلَكَتْ بَعْدَ إمْكَانِ أَدَائِهَا أُخِذَتْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute