مِنْهُمْ مُبْتَدِئًا بِالسَّفَرِ أَوْ مُجْتَازًا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَدْفَعُهُ إلَى الْمُجْتَازِ دُونَ الْمُبْتَدِئِ بِالسَّفَرِ.
وَإِذَا قُسِمَتِ الزَّكَاةُ فِي الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ لَمْ يَخْلُ حَالُهُمْ بَعْدَهَا مِنْ خَمْسَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ وَفْقَ كِفَايَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ وَلَا زِيَادَةٍ، فَقَدْ خَرَجُوا بِمَا أَخَذُوهُ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ، وَحَرُمَ عَلَيْهِمْ التَّعَرُّضُ لَهَا.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مُقَصِّرَةً عَنْ كِفَايَتِهِمْ، فَلَا يُخْرَجُونَ مِنْ أَهْلِهَا، وَيُحَالُونَ بِبَاقِي كِفَايَتِهِمْ عَلَى غَيْرِهَا.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ كَافِيَةً لِبَعْضِهِمْ مُقَصِّرَةً عَنِ الْبَاقِينَ، فَيَخْرُجُ الْمُكْتَفُونَ عَنْ أَهْلِهَا، وَيَكُونُ الْمُقَصِّرُونَ عَلَى حَالِهِمْ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ.
وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: أَنْ تَفْضُلَ عَنْ كِفَايَةِ جَمِيعِهِمْ فَيَخْرُجُونَ مِنْ أَهْلِهَا بِالْكِفَايَةِ، وَيُرَدُّ الْفَاضِلُ مِنْ سِهَامِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ.
وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ: أَنْ تَفْضُلَ عَنْ كِفَايَاتِ بَعْضِهِمْ وَتَعْجِزُ عَنْ كِفَايَاتِ الْبَاقِينَ، فَيُرَدُّ مَا فَضَلَ عَنِ الْمُكْتَفِينَ عَلَى مَنْ عَجَزَ مِنَ الْمُقَصِّرِينَ حَتَّى يَكْتَفِيَ الْفَرِيقَانِ.
وَإِذَا عُدِمَ بَعْضُ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ قُسِمَتِ الزَّكَاةُ عَلَى مَنْ يُوجَدُ مِنْهُمْ وَلَوْ كَانَ صِنْفًا وَاحِدًا؛ وَلَا يُنْقَلُ سَهْمُ مَنْ عُدِمَ مِنْهُمْ فِي جِيرَانِ الْمَالِ إلَّا سَهْمَ سَبِيلِ اللَّهِ فِي الْغُزَاةِ، فَإِنَّهُ يُنْقَلُ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْكُنُونَ الثُّغُورَ فِي الْأَغْلَبِ؛ وَتُفَرَّقُ زَكَاةُ كُلِّ نَاحِيَةٍ فِي أَهْلِهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُنْقَلَ زَكَاةُ بَلَدٍ إلَى غَيْرِهِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ وُجُودِ أَهْلِ السَّهْمَانِ فِيهِ؛ فَإِنْ نَقَلَهَا عَنْهُ مَعَ وُجُودِهِمْ فِيهِ لَمْ يُجْزِئْهُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَأَجْزَأَهُ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى كَافِرٍ، وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ دَفْعَ زَكَاةِ الْفِطْرِ خَاصَّةً إلَى الذِّمِّيِّ دُونَ الْمُعَاهَدِ، وَلَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى ذَوِي الْقُرْبَى مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ تَنْزِيهًا لَهُمْ عَنْ أَوْسَاخِ الذُّنُوبِ، وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ دَفْعَهَا إلَيْهِمْ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُدْفَعَ إلَى عَبْدٍ وَلَا مُدَبَّرٍ، وَلَا أُمِّ وَلَدٍ، وَلَا مَنْ رُقَّ بَعْضُهُ؛ وَلَا يَدْفَعُهَا الرَّجُلُ إلَى زَوْجَتِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَدْفَعَ الْمَرْأَةُ زَكَاتَهَا إلَى زَوْجِهَا، وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ ذَلِكَ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ أَحَدٌ زَكَاتَهُ إلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ مِنْ وَالِدٍ أَوْ وَلَدٍ لِغِنَاهُمْ بِهِ، إلَّا مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ إذَا كَانُوا مِنْهُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ أَقَارِبِهِ، وَصَرْفُهَا فِيهِمْ