للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِنْ جِهَتِهِمْ كَمَالِ الْخَرَاجِ، فَفِيهِ إذَا أُخِذَ مِنْهُمْ أَدَاءَ الْخُمُسِ لِأَهْلِ الْخُمُسِ مَقْسُومًا عَلَى خَمْسَةٍ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا خُمُسَ فِي الْفَيْءِ١، وَنَصُّ الْكِتَابِ فِي خُمُسِ الْفَيْءِ يَمْنَعُ مِنْ مُخَالَفَتِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الحشر: ٧] .

فَيُقْسَمُ الْخُمُسُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ مُتَسَاوِيَةٍ: سَهْمٌ مِنْهَا كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَيَاتِهِ، يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَزْوَاجِهِ، وَيَصْرِفُهُ فِي مَصَالِحِهِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ فَذَهَبَ مَنْ يَقُولُ بِمِيرَاثِ الْأَنْبِيَاءِ إلَى أَنَّهُ مَوْرُوثٌ عَنْهُ مَصْرُوفٌ إلَى وَرَثَتِهِ.

وَقَالَ أَبُو ثَوْر٢ٍ: يَكُونُ مِلْكًا لِلْإِمَامِ بَعْدَهُ؛ لِقِيَامِهِ بِأُمُورِ الْأُمَّةِ مَقَامَهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: قَدْ سَقَطَ بِمَوْتِهِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- إلَى أَنَّهُ يَكُونُ مَصْرُوفًا فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ؛ كَأَرْزَاقِ الْجَيْشِ وَإِعْدَادِ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ، وَبِنَاءِ الْحُصُونِ وَالْقَنَاطِرِ، وَأَرْزَاقِ الْقَضَاءِ وَالْأَئِمَّةِ، وَمَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى مِنْ وُجُوهِ الْمَصَالِحِ٣.


١ قال ابن تيمية -رحمه الله تعالى: ومن الفيء ما ضربه عمر -رضي الله عنه- على الأرض التي فتحها عنوة ولم يقسمها -كأرض مصر وأرض العراق- إلّا شيئًا يسيرًا منها، وبرِّ الشام وغير ذلك، فهذا الفيء لا خمس فيه عند جماهير الأئمة؛ كأبي حنيفة ومالك وأحمد، وإنما يرى تخميسه الشافعي وبعض أصحاب أحمد، وذكر ذلك رواية عنه. قال ابن المنذر: لا يحفظ عن أحد قبل الشافعي أن في الفيء خمسًا كخمس الغنيمة. [كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه: ٢٨/ ٥٦٤] .
٢ هو إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان أبو ثور الكلبي الفقيه البغدادي صاحب الشافعي، ناقل الأقوال القديمة عنه، كان أحد الأعلام الثقات، المأمون له في المذهب والكتب المصنَّفة في الأحكام، جمع فيها بين الحديث والفقه، وكان مبدأ اشتغاله بمذهب أهل الرأي حتى قدم الشافعي -رضي الله عنه- إلى العراق، فاختلف إليه واتبعه ورفض مذهبه الأول، وتوفِّي سنة أربعين ومائتين ببغداد.
٣ قال ابن تيمية: وهذا الفيء لم يكن ملكًا للنبي في حياته عند أكثر العلماء، وقال الشافعي وبعض أصحاب أحمد: كان ملكًا له، وهذا الفيء لم يكن ملكًا للنبي في حياته عند أكثر العلماء. وقال الشافعي وبعض أصحاب أحمد: كان ملكًا له.
وأما مصرفه بعد موته فقد اتفق العلماء على أن يصرف منه أرزاق الجند المقاتلين الذين يقاتلون الكفار، فإن تقويتهم تذلّ الكفار فيؤخذ منهم الفيء، وتنازعوا هل يصرف في سائر مصالح المسلمين أن تختص به المقاتلة على قولين للشافعي، ووجهين في مذهب الإمام أحمد، لكن المشهور في مذهبه وهو مذهب أبي حنيفة ومالك أنه لا يختص به المقاتلة، بل يصرف في المصالح كلها، وعلى القولين يعطى من =

<<  <   >  >>