أَحَدُهُمَا: عَنْ غِنًى وَقُدْرَةٍ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَعْتَقِدُوا أَنَّ لَنَا فِي أَخْذِهَا مِنْهُمْ يَدًا وَقُدْرَةً عَلَيْهِمْ.
وَفِي قَوْلِهِ: {وَهُمْ صَاغِرُونَ} تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَذِلَّاءَ مُسْتَكِينِيون.
وَالثَّانِي: أَنْ تُجْرَى عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ، فَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يَضَعَ الْجِزْيَةَ عَلَى رِقَابِ مَنْ دَخَلَ فِي الذِّمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ لِيُقَرُّوا بِهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَيَلْتَزِمُ لَهُمْ بِبَذْلِهَا حَقَّانِ: أَحَدُهُمَا الْكَفُّ عَنْهُمْ.
وَالثَّانِي: الْحِمَايَةُ لَهُمْ لِيَكُونُوا بِالْكَفِّ آمَنِينَ وَبِالْحِمَايَةِ مَحْرُوسِينَ، رَوَى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ قَالَ: "احْفَظُونِي فِي ذِمَّتِي"١.
وَالْعَرَبُ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ كَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا آخُذُهَا مِنَ الْعَرَبِ لِئَلَّا يَجْرِي عَلَيْهِمْ صَغَارٌ، وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ مُرْتَدٍّ وَلَا دَهْرِيٍّ وَلَا عَابِدِ وَثَنٍ، وَأَخَذَهَا أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ إذَا كَانُوا عَجَمًا، وَلَمْ يَأْخُذْهَا مِنْهُمْ إذَا كَانُوا عَرَبًا، وَأَهْلُ الْكِتَابِ هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَكِتَابُهُمُ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ، وَيَجْرِي الْمَجُوسُ مَجْرَاهُمْ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ، وَإِنْ حَرُمَ أَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ وَنِكَاحُ نِسَائِهِمْ، وَتُؤْخَذُ مِنَ الصَّابِئِينَ وَالسَّامِرَةِ إذَا وَافَقُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى فِي أَصْلِ مُعْتَقِدِهِمْ، وَمَنْ دَخَلَ فِي الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّة قَبْلَ تَبْدِيلِهِمَا أُقِرَّ عَلَى مَا دَانَ بِهِ مِنْهُمَا، وَلَا يُقَرُّ إنْ دَخَلَ بَعْدَ تَبْدِيلِهِمَا، وَمَنْ جُهِلَتْ حَالَتُهُ أُخِذَتْ جِزْيَتُهُ وَلَمْ تُؤْكَلْ ذَبِيحَتُهُ.
وَمَنِ انْتَقَلَ مِنْ يَهُودِيَّةٍ إلَى نَصْرَانِيَّةٍ لَمْ يُقَرَّ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَأُخِذَ بِالْإِسْلَامِ، فَإِنْ عَادَ إلَى دِينِهِ الَّذِي انْتَقَلَ عَنْهُ فَفِي إقْرَارِهِ عَلَيْهِ قَوْلَانِ، وَيَهُودُ خَيْبَرَ وَغَيْرُهُمْ فِي الْجِزْيَةِ سَوَاءٌ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ.
وَلَا تَجِبُ الْجِزْيَةُ إلَّا عَلَى الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ الْعُقَلَاءِ، وَلَا تَجِبُ عَلَى امْرَأَةٍ وَلَا صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا عَبْدٍ؛ لِأَنَّهُمْ أَتْبَاعٌ وَذَرَارِيَّ، وَلَوْ تَفَرَّدَتْ مِنْهُمْ امْرَأَةٌ عَلَى أَنْ تَكُونَ تَبَعًا لِزَوْجٍ أَوْ نَصِيبٍ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهَا جِزْيَةٌ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِرِجَالِ قَوْمِهَا وَإِنْ كَانُوا أَجَانِبَ مِنْهَا، وَلَوْ تَفَرَّدَتْ امْرَأَةٌ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ فَبَذَلَتْ الْجِزْيَةَ لِلْمَقَامِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَلْزَمْهَا مَا بَذَلَتْهُ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهَا كَالْهِبَةِ
١ لم أقف عليه بهذا اللفظ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute