والثالث: أن لا تجد المواشي غيره، فإن وجدت مباحًا غيره لم يلزمه بذله، وعدلت المواشي إلى الماء المباح، فإن كان غيره من الموجود مملوكًا لزم كل واحد من مالكي الماءين أن يبذل فضل مائه لمن ورد إليه، فإذا اكتفت المواشي بفضل أحد الماءين سقط الفرض عن الآخر.
الرابع: أن لا يكون عليه في ورد المواشي إلى مائه ضرر يلحقه في زرع ولا ماشية، فإن لحقه بورودها ضرر منعت، وجاز للرعاة استقاء فضل الماء لها، فإذا كملت هذه الشروط الأربعة لزمه بذل الفضل، وحرم عليه أن يأخذ له ثمنًا، ويجوز مع الإخلال بهذه الشروط أن يأخذ ثمنه إذا باعه مقدرًا بكيل أو وزن، ولا يجوز أن يبيعه جزافًا ولا مقدرًا بريّ ماشية أو زرع، وإذا احتفر بئرًا أو ملكها وحريمها، ثم احتفر آخر بعد حريمها بئرًا، فنضب ماء الأول إليها وغار فيها أقرّ عليها ولم يمنع منها، وكذلك لو حفرها لطهور فتغيّر بها ماء الأول أقرت، وقال مالك: إذا نضب ماء الأول إليها أو تغيَّر بها مُنِع منها وطُمَّت.
فصل:
وأما العيون فتنقسم ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يكون مما أنبع الله تعالى ولم يستنبطه الآدميون، فحكمها حكم ما أجراه الله تعالى من الأنهار، ولمن أحيا أرضًا بمائها أن يأخذ منه قدر كفايته، فإن تشاحوا فيه لضيقه روعي ما أحيي بمائها منَ الموات، فإن تقدَّم فيه بعضهم على بعض كان لأسبقهم إحياءً أن يستوفي منها شرب أرضه ثم لمن يليه، فإن قصر الشرب عن بعضهم كان نقصانه في حق الأخير، وإن اشتركوا في الإحياء على سواء ولم يسبق به بعضهم بعضًا تخاصوا فيه إمَّا بقسمة الماء وإمَّا بالمهايأة عليه.
والقسم الثاني: أن يستنبطها الآدميون فتكون ملكًا لمن استنبطها، ويملك معها حريمها، وهو على مذهب الشافعي معتبر بالعرف المعهود في مثلها، ومقدر بالحاجة الداعية إليها، وقال أبو حنيفة: حريم العين خمسمائة ذراع، ولمستنبط هذه العين سوق مائها إلى حيث