للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المكان أحق به من المسبوق١.

والوجه الثاني: أنَّ نظره فيه نظر مجتهد فيما يراه صلاحًا في إجلاس من يجلسه، ومنع من يمنعه، وتقديم من يقدمه، كما يجتهد في أموال بيت المال وإقطاع الموات، ولا يجعل السابق أحق، وليس له على الوجهين أن يأخذ منهم على الجلوس أجرًا.

وإذا تركهم على التراضي كان السابق منهما إلى المكان أحق به من المسبوق، فإذا انصرف عنه كان هو وغيره من الغد فيه سواء يراعى فيه السابق إليه، وقال مالك: إذا عرف أحدهم بمكان وصار به مشهورًا، كان أحق به من غيره قطعًا للتنازع وحسمًا للتشاجر، واعتبار هذا وإن كان له في المصلحة وجه يخرجه عن حكم الإباحة إلى حكم الملك.

فصل:

وأما جلوس العلماء والفقهاء في الجوامع والمساجد والتصدِّي للتدريس والفتيا، فعلى كل واحد منهم زاجر من نفسه، أو لا يتصدَّى لما ليس له بأهل، فيضل به المستهدي ويزِلّ به المسترشد، وقد جاء الأثر بأن أجرؤكم على الفتيا أجروكم على جراثيم جهنم.

وللسلطان فيهم من النظر ما يوجبه الاختيار من إقراره أو إنكاره، فإذا أراد من هو لذلك أهل أن يترتَّب في أحد المساجد؛ لتدريس أو فتيا نظر حال المسجد، فإن كان مساجد المحال التي لا يترتب الأئمة فيها من جهة السلطان لم يلزم من ترتب فيه للتدريس والفتيا استئذان السلطان في جلوسه، كما لا يلزم أن يستأذنه من ترتيب للإمامة، وإن كان من الجوامع وكبار المساجد التي ترتب الأئمة فيها بتقليد السلطان، روعي في ذلك عرف البلد وعادته في جلوس أمثاله، فإن كان للسلطان في جلوس مثله نظر، لم يكن له أن يترتب


١ قال أبو إسحاق الشيرازي -من الشافعية: ويجوز الارتفاق بما بين العامر من الشوارع والرحاب الواسعة بالقعود للبيع والشراء؛ لاتفاق أهل الأمصار في جميع الأعصار على إقرار الناس على ذلك دون إنكار؛ ولأنه ارتفاق بمباح، فلم يمنع منه كالاجتياز، فإن سبق إليه كان أحق به؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم: "مِنَى مناخ من سبق"، وله أن يظلل بما لا ضرر به على المارة من بارية وثوب؛ لأنَّ الحاجة تدعو إلى ذلك، وإن أراد أن يبني دكَّة منع منه؛ لأنه يضيق به الطريق ويعثر به الضرير وبالليل البصير فلم يجز. [المهذب: ١/ ٤٢٦] .

<<  <   >  >>