وَالْمُوَلِّي؛ وَيُعْتَبَرُ شُرُوطُ الْإِمَامَةِ فِي الْمُوَلَّى مِنْ وَقْتِ الْعَهْدِ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ فَاسِقًا وَقْتَ الْعَهْدِ وَبَالِغًا عَدْلًا عِنْدَ مَوْتِ الْمُوَلِّي لَمْ تَصِحَّ خِلَافَتُهُ حَتَّى يَسْتَأْنِفَ أَهْلُ الِاخْتِيَارِ بَيْعَتَهُ.
وَإِذَا عَهِدَ الْإِمَامُ إلَى غَائِبٍ هُوَ مَجْهُولُ الْحَيَاةِ لَمْ يَصِحَّ عَهْدُهُ؛ وَإِنْ كَانَ مَعْلُومَ الْحَيَاةِ وَكَانَ مَوْقُوفًا عَلَى قُدُومِهِ؛ فَإِنْ مَاتَ الْمُسْتَخْلِفُ وَوَلِيُّ الْعَهْدِ عَلَى غَيْبَتِهِ اسْتَقْدَمَهُ أَهْلُ الِاخْتِيَارِ، فَإِنْ بَعُدَتْ وَاسْتَضَرَّ الْمُسْلِمُونَ بِتَأْخِيرِ النَّظَرِ فِي أُمُورِهِمْ اسْتَنَابَ أَهْلُ الِاخْتِيَارِ نَائِبًا عَنْهُ يُبَايِعُونَهُ بِالنِّيَابَةِ دُونَ الْخِلَافَةِ، فَإِذَا قَدِمَ الْخَلِيفَةُ الْغَائِبُ انْعَزَلَ الْمُسْتَخْلَفُ النَّائِبُ، وَكَانَ نَظَرُهُ قَبْلَ قُدُومِ الْخَلِيفَةِ مَاضِيًا، وَبَعْدَ قُدُومِهِ مَرْدُودًا، وَلَوْ أَرَادَ وَلِيُّ الْعَهْدِ قَبْلَ مَوْتِ الْخَلِيفَةِ أَنْ يَرُدَّ مَا إلَيْهِ مِنْ وِلَايَةِ الْعَهْدِ إلَى غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَةَ لَا تَسْتَقِرُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُسْتَخْلِفِ؛ وَهَكَذَا لَوْ قَالَ: جَعَلْتُهُ وَلِيَّ عَهْدِي إذَا أَفْضَتْ الْخِلَافَةُ إلَيَّ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَالِ لَيْسَ خَلِيفَةً، فَلَمْ يَصِحَّ عَهْدُهُ بِالْخِلَافَةِ.
وَإِذَا خَلَعَ الْخَلِيفَةُ نَفْسَهُ انْتَقَلَتْ إلَى وَلِيِّ عَهْدِهِ، وَقَامَ خَلْعُهُ مَقَامَ مَوْتِهِ، وَلَوْ عَهِدَ الْخَلِيفَةُ إلَى اثْنَيْنِ لَمْ يُقَدِّمْ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ جَازَ، وَاخْتَارَ أَهْلُ الِاخْتِيَارِ أَحَدَهُمَا بَعْدَ مَوْتِهِ كَأَهْلِ الشُّورَى، فَإِنَّ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- جَعَلَهَا فِي سِتَّةٍ.
حَكَى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَجَدْتُ عُمَرَ ذَاتَ يَوْمٍ مَكْرُوبًا، فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ فِي هَذَا الْأَمْرِ؟ أَقُومُ فِيهِ وَأَقْعُدُ؟ فَقُلْتُ: هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ؟ فَقَالَ: إنَّهُ لَهَا لَأَهْلٌ، وَلَكِنَّهُ رَجُلٌ فِيهِ دُعَابَةٌ، وَإِنِّي لَأُرَاهُ لَوْ تَوَلَّى أَمْرَكُمْ لَحَمَلَكُمْ عَلَى طَرِيقَةٍ مِنَ الْحَقِّ تَعْرِفُونَهَا، قَالَ: قُلْتُ: فَأَيْنَ أَنْتَ عَنْ عُثْمَانَ؟ فَقَالَ: لَوْ فَعَلْتُ لَحَمَلَ ابْنُ أَبِي مُعَيْطٍ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، ثُمَّ لَمْ تَلْتَفِتْ إلَيْهِ الْعَرَبُ حَتَّى تَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَاَللَّهِ لَوْ فَعَلْتُ لَفَعَلَ، وَلَوْ فَعَلَ لَفَعَلُوا؛ قَالَ: فَقُلْتُ: فَطَلْحَةُ، قَالَ: إنَّهُ لَزَهْوٌ، مَا كَانَ اللَّهُ لِيُوَلِّيَهُ أَمْرَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ مَا يَعْلَمُ مِنْ زَهْوِهِ، قَالَ: قُلْتُ: فَالزُّبَيْرُ، قَالَ: إنَّهُ لَبَطَلٌ وَلَكِنَّهُ يَسْأَلُ عَنِ الصَّاعِ وَالْمُدِّ بِالْبَقِيعِ بِالسُّوقِ، أَفَذَاكَ يَلِي أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: لَيْسَ هُنَاكَ إنَّهُ لَصَاحِبُ مَقْتَبٍ يُقَاتِلُ عَلَيْهِ، فَأَمَّا وَلِيُّ أَمْرٍ فَلَا، قَالَ: فَقُلْتُ: فَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، قَالَ: نِعْمَ الرَّجُلُ ذَكَرْتَ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ، إنَّهُ وَاَللَّهِ لَا يَصْلُحُ لِهَذَا الْأَمْرِ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ إلَّا الْقَوِيُّ فِي غَيْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute