الِاخْتِيَارِ فِي حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِمَامَةِ أَحَقُّ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُشَارِكَ فِيهَا، فَإِنْ خَافُوا انْتِشَارَ الْأَمْرِ بَعْدَ مَوْتِهِ اسْتَأْذَنُوهُ وَاخْتَارُوا إنْ أَذِنَ لَهُمْ، فَإِنْ صَارَ إلَى حَالِ إيَاسٍ نُظِرَ، فَإِنْ زَالَ عَنْهُ أَمْرُهُ وَغَرَبَ عَنْهُ رَأْيُهُ، فَهِيَ كَحَالِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي جَوَازِ الِاخْتِيَارِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى تَمْيِيزِهِ وَصِحَّةِ رَأْيِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُمْ الِاخْتِيَارُ إلَّا عَنْ إذْنِهِ.
حَكَى ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لَمَّا دَخَلَ مَنْزِلَهُ مَجْرُوحًا سَمِعَ هَدَّةً فَقَالَ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ قَالُوا: يُرِيدُونَ الدُّخُولَ عَلَيْكَ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَقَالُوا: اعْهَدْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اسْتَخْلِفْ عَلَيْنَا عُثْمَانَ، فَقَالَ: كَيْفَ يُحِبُّ الْمَالَ وَالْجَنَّةَ، فَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ سَمِعَ لَهُمْ هَدَّةً فَقَالَ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ قَالُوا: يُرِيدُونَ الدُّخُولَ عَلَيْكَ، فَأَذِنَ لَهُمْ فَقَالُوا: اسْتَخْلِفْ عَلَيْنَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: إذَنْ يَحْمِلُكُمْ عَلَى طَرِيقَةٍ هِيَ الْحَقُّ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَاتَّكَأْتُ عَلَيْهِ عِنْدَ ذَلِكَ وَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُومِنِينَ، وَمَا يَمْنَعُكَ مِنْهُ؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، أَتَحَمَّلُهَا حَيًّا وَمَيِّتًا؟
وَيَجُوزُ لِلْخَلِيفَةِ أَنْ يَنُصَّ عَلَى أَهْلِ الِاخْتِيَارِ، كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنُصَّ عَلَى أَهْلِ الْعَهْدِ، فَلَا يَصِحُّ إلَّا اخْتِيَارُ مَنْ نَصَّ عَلَيْهِ، كَمَا لَا يَصِحُّ إلَّا تَقْلِيدُ مَنْ عَهِدَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِ خِلَافَتِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute