أمره لئلَّا يغتر به. ومن أشكل عليه أمره لم يقدم عليه بالإنكار عليه إلّا بعد الاختبار. قد مرَّ علي ابن أبي طالب -عليه السلام- بالحسن البصري وهو يتكلم على الناس فاختبره، فقال له: ما عماد الدين؟ فقال: الورع، قال: فما آفته؟ قال: الطمع، قال: تكلّم الآن إن شئت، وهكذا لو ابتدع بعض المنتسبين إلى العلم قولًا خرق به الإجماع، وخالف فيه النص، وردّ قوله علماء عصره، أنكره عليه وزجره عنه، فإن أقلع وتاب وإلا فالسلطان بتهذيب الدين أحق، وإذا تعرض بعض المفسرين لكتاب الله تعالى بتأويل عدل فيه عن ظاهر التنزيل إلى باطن بدعة تتكلف له غمض معانيه، أو تفرَّد بعض الرواة بأحاديث مناكير تنفر منها النفوس، أو يفسد بها التأويل كان على المحتسب إنكار ذلك والمنع منه، وهذا إنما يصح منه إنكاره إذا تميز عنده الصحيح من الفاسد، والحق من الباطل، وذلك من أحد وجهين، إما أن يكون بقوته في العلم واجتهاده فيه حتى لا يخفى ذلك عليه، وإما بأن يتفق علماء الوقت على إنكاره وابتداعه فيستعدونه، فيعول في الإنكار على أقاويلهم، وفي المنع منه على اتفاقهم.
فصل:
وأما ما تعلق بالمحظورات فهو أن يمنع الناس من مواقف الريب ومظان التهمة، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم:"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" ١.
فيقدم الإنكار ولا يعجل بالتأديب قبل الإنكار.
حكي إبراهيم النخعي أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- نهى الرجال أن يطوفوا مع النساء، فرأى رجلًا يصلي مع النساء فضربه بالدرة، فقال الرجل: والله إن كنت أحسنت لقد ظلمتني، وإن كنت أسأت فما علمتني، فقال عمر: لا أقتص اليوم، قال: فاعف عني. قال: لا أعفو، فافترقا على ذلك، ثم لقيه من الغد فتغيّر لون عمر، فقال له الرجل: يا أمير المؤمنين، كأنِّي أرى ما كان مني قد أسرع فيك؟ قال: أجل، قال: فأشهد الله أني قد عفوت
١ صحيح: رواه الترمذي في كتاب صفة القيامة، والرقائق "٢٥١٨"، والنسائي في كتاب الأشربة "٥٧١١"، والدارمي في كتاب البيوع "٢٥٣٢"، وأحمد "٢٧٨١٩"، وصححه الشيخ الألباني.