للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النَّاصِحُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا دَاوُد إنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتْبَعْ الْهَوَى فَيُضِلّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص: ٢٦] .

فَلَمْ يَقْتَصِرْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى التَّفْوِيضِ دُونَ الْمُبَاشَرَةِ وَلَا عَذَرَهُ فِي الِاتِّبَاعِ حَتَّى وَصَفَهُ بِالضَّلَالِ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ بِحُكْمِ الدِّينِ وَمَنْصِبِ الْخِلَافَةِ، فَهُوَ مِنْ حُقُوقِ السِّيَاسَةِ لِكُلِّ مُسْتَرْعٍ، قَالَ النَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ".

وَلَقَدْ أَصَابَ الشَّاعِرُ١ فِيمَا وَصَفَ بِهِ الزَّعِيمَ الْمُدَبِّرَ حَيْثُ يَقُولُ "مِنْ الْبَسِيطِ":

وَقَلِّدُوا أَمْرَكُمْ لِلَّهِ دَرُّكُمْ ... رَحْبَ الذِّرَاعِ بِأَمْرِ الْحَرْبِ مُضْطَلِعَا

لَا مُتْرَفًا إنْ رَخَاءُ الْعَيْشِ ... سَاعَدَهُ وَلَا إذَا عَضَّ مَكْرُوهٌ بِهِ خَشَعَا

مَا زَالَ يَحْلُبُ دَرَّ الدَّهْرِ أَشْطُرَهُ ... يَكُونُ مُتَّبِعًا يَوْمًا وَمُتَّبَعَا

حَتَّى اسْتَمَرَّ عَلَى شَزْرٍ مَرِيرَتُهُ ... مُسْتَحْكَمِ الرَّأْيِ لَا فَخْمًا وَلَا ضَرَعَا

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزْدَادَ٢ لِلْمَأْمُونِ -وَكَانَ وَزِيرَهُ- "مِنْ الْبَسِيط":

مَنْ كَانَ حَارِسَ دُنْيَا إنَّهُ قَمِنٌ ... أَنْ لَا يَنَامَ وَكُلُّ النَّاسِ نُوَامُ

وَكَيْفَ تَرْقُدُ عَيْنَا مَنْ تَضَيَّفَهُ ... هَمَّانِ مِنْ أَمْرِهِ حَلٌّ وَإِبْرَامُ


١ هو لقيط بن يعمر بن خارجة الإيادي؛ شاعر جاهلي فحل، من أهل الحيرة، كان يحسن الفارسية، واتَّصل بكسرى سابور "ذي الأكتاف"، فكان من كُتَّابه والمطَّلِعين على أسرار دولته، ومن مقدّمي مترجميه، وهو صاحب القصيدة التي مطلعها: "يا دار عمرة من محتلها الجرعا"، وهي من غرر الشعر، بعث بها إلى قومه بني إياد، ينذرهم بأنَّ كسرى وجَّه جيشًا لغزوهم، وسقطت القصيدة في يد من أوصلها إلى كسرى، فسخط عليه وقطع لسانه ثم قتله.
٢ هو القاضي محمد بن يزداد بن سويد الكاتب المروزي الوزير، وزر للمأمون، كان حَسَن البلاغة كثير الأدب مشهورًا بقول الشعر، له في المأمون مرثية معروفة، وكان سليمان بن وهب يكتب بين يديه، وكان به خاصًّا، ثم اتَّصل به أن سليمان سعى عليه فأطرحه، وتوفِّي سنة ثلاثين ومائتين بسرِّ من رأى.

<<  <   >  >>