وأما اختيار الحرَّاسين في القبائل والأسواق فإلى الحماة وأصحاب المعاون، وإذا وقع في التطفيف تخاصم جاز أن ينظر المحتسب إن لم يكن مع الخصم فيه تجاحد وتناكر، فإن أفضى إلى تجاحد وتناكر كان القضاة أحق بالنظر فيه من ولاة الحسبة؛ لأنهم بالأحكام أحق، وكان التأديب فيه إلى المحتسب، فإن تولاه الحاكم جاز لاتصاله بحكمهم، ومما ينكره المحتسب في العموم ولا ينكره في الخصوص والآحاد التبايع بما لم يألفه أهل البلد من المكاييل والأوزان التي لا تعرف فيه إن كانت معروفة في غيره، فإن تراضي بها اثنان لم يعترض عليهما الإنكار والمنع، ويمنع أن يرسم بها قوم من العموم؛ لأنه قد يعاملهم فيها من لا يعرفها فيصير مغرورًا.
فصل:
وأما ما ينكر من حقوق الآدميين المحصنة، فمثل أن يتعدَّى رجل في حد لجاره، أو في حريم لداره، أو في وضع أجذاع على جداره، فلا اعتراض للمحتسب فيه ما لم يستعده الجاز؛ لأنه يخصه، فينصح منه العفو عنه والمطالبة به، فإن خاصمه فيه كان للمحتسب النظر فيه إن لم يكن بينهما تنازع وتناكل، وأخذ المتعدي بإزالة تعديه، وكان له تأيبه عليه بحسب شواهد الحال. فإن تنازعا كان الحاكم بالنظر فيه أحق، ولو أن الجار أقر جاره على تعديه وعفا عن مطالبته بهدم ما تعدى فيه، ثم عاد مطالبًا بعد ذلك كان له ذلك، وأخذ المتعدي بعد العفو عند بهدم ما بناه؛ ولو كان قد ابتدأ البنا ووضع الأجذاع بإذن الجار، ثم رجع في إذنه لم يؤخذ الثاني بهدمه.
ولو انتشرت أغصان الشجرة إلى دار جاره كان للجار أن يستعدي المحتسب حتى يعديه على صاحب الشجرة؛ ليأخذه بإزالة ما انتشر من أغصانها في داره ولا تأديب عليه؛ لأنَّ انتشارها ليس من فعله، ولو انتشرت عروق الشجرة تحت الأرض حتى دخلت في قرار أرض الجار لم يؤخذ بقلعها، ولم يمنع الجار من التصرف في قرار أرضه، وإن قطعها نصب الملك تنورًا في داره، فتأذى الجار بدخانه لم يعترض عليه ولم يمنع منه، وكذلك لو نصب في