فصل:
وَيَجُوزُ لِلْخَلِيفَةِ أَنْ يُقَلِّدَ وَزِيرَيْ تَنْفِيذٍ عَلَى اجْتِمَاعٍ وَانْفِرَادٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَلِّدَ وَزِيرَيْ تَفْوِيضٍ عَلَى الِاجْتِمَاعِ؛ لِعُمُومِ وِلَايَتِهِمَا، كَمَا لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ إمَامَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا رُبَّمَا تَعَارَضَا فِي الْعَقْدِ وَالْحَلِّ وَالتَّقْلِيدِ وَالْعَزْلِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: ٢٢] .
فَإِنْ قَلَّدَ وَزِيرَيْ تَفْوِيضٍ لَمْ يَخْلُ حَالُ تَقْلِيدِهِ لَهُمَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُفَوِّضَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُمُومَ النَّظَرِ، فَلَا يَصِحُّ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ دَلِيلٍ وَتَعْلِيلٍ، وَيَنْظُرُ فِي تَقْلِيدِهِمَا، فَإِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بَطَلَ تَقْلِيدُهُمَا مَعًا، وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ صَحَّ تَقْلِيدُ السَّابِقِ وَبَطَلَ تَقْلِيدُ الْمَسْبُوقِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ فَسَادِ التَّقْلِيدِ وَالْعَزْلِ أَنَّ فَسَادَ التَّقْلِيدِ يَمْنَعُ مِنْ نُفُوذِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ نَظَرِهِ، وَالْعَزْلُ لَا يَمْنَعُ مِنْ نُفُوذِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ نَظَرِهِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يُشْرِكَ بَيْنَهُمَا فِي النَّظَرِ عَلَى اجْتِمَاعِهِمَا فِيهِ، وَلَا يَجْعَلَ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ، فَهَذَا يَصِحُّ، وَتَكُونُ الْوَزَارَةُ بَيْنَهُمَا لَا فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَهُمَا تَنْفِيذُ مَا اتَّفَقَ رَأْيُهُمَا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُمَا تَنْفِيذُ مَا اخْتَلَفَا فِيهِ، وَيَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى رَأْيِ الْخَلِيفَةِ وَخَارِجًا عَنْ نَظَرِ هَذَيْنِ الْوَزِيرَيْنِ، وَتَكُونُ هَذِهِ الْوَزَارَةُ قَاصِرَةً عَنْ وَزَارَةِ التَّفْوِيضِ الْمُطْلَقَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: اجْتِمَاعُهُمَا عَلَى تَنْفِيذِ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: زَوَالُ نَظَرِهِمَا عَمَّا اخْتَلَفَا فِيهِ.
فَإِنْ اتَّفَقَا بَعْدَ الِاخْتِلَافِ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ عَنْ رَأْيٍ اجْتَمَعَا عَلَى صَوَابِهِ بَعْدَ اخْتِلَافِهِمَا فِيهِ دَخَلَ فِي نَظَرِهِمَا وَصَحَّ تَنْفِيذُهُ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الِاخْتِلَافِ لَا يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِ الِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مُتَابَعَةِ أَحَدِهِمَا لِصَاحِبِهِ مَعَ بَقَائِهِمَا عَلَى الرَّأْيِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ فَهُوَ عَلَى خُرُوجِهِ مِنْ نَظَرِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنَ الْوَزِيرِ تَنْفِيذُ مَا لَا يَرَاهُ صَوَابًا.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ لَا يُشْرِكَ بَيْنَهُمَا فِي النَّظَر، ِ وَيُفْرِدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا لَيْسَ فِيهِ لِلْآخَرِ نَظَرٌ، وَهَذَا يَكُونُ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَخُصَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَمَلٍ يَكُونُ فِيهِ عَامَّ النَّظَرِ خَاصَّ الْعَمَلِ، مِثْلَ أَنْ يَرُدَّ إلَى أَحَدِهِمَا وَزَارَةَ بِلَادِ الْمَشْرِقِ وَإِلَى الْآخَرِ وَزَارَةَ بِلَادِ الْمَغْرِبِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute