للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالثَّانِي: مَا فِيهِ مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ.

{وَجَادِلْهُمْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} .

أَيْ: يُبَيِّنُ لَهُمُ الْحَقَّ وَيُوَضِّحُ لَهُمُ الْحُجَّةَ، فَإِنْ بَدَأَ بِقِتَالِهِمْ قَبْلَ دُعَائِهِمْ إلَى الْإِسْلَامِ وَإِنْذَارِهِمْ بِالْحُجَّةِ وَقَتْلِهِمْ غُرَّةً وَبَيَاتًا ضَمِنَ دِيَاتِ نُفُوسِهِمْ، وَكَانَتْ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ كَدِيَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَقِيلَ: بَلْ كَدِيَاتِ الْكُفَّارِ عَلَى اخْتِلَافِهَا اخْتِلَافِ مُعْتَقِدِهِمْ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا دِيَةَ عَلَى قَتْلِهِمْ وَنُفُوسُهُمْ هَدَرٌ، وَإِذَا تَقَاتَلَتْ الصُّفُوفُ فِي الْحَرْبِ جَازَ لِمَنْ قَاتَلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ بِمَا يَشْتَهِرُ بِهِ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، وَيَتَمَيَّزُ بِهِ مِنْ جَمِيعِ الْجَيْشِ، بِأَنْ يَرْكَبَ الْأَبْلَقَ١ وَإِنْ كَانَتْ خُيُولُ النَّاسِ دُهْمًا وَشُقْرًا، وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنَ الْإِعْلَامِ رُكُوبَ الْأَبْلَقِ، وَلَيْسَ لِمَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ وَجْهٌ، رَوَى عَبْدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: "تَسَوَّمُوا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ قَدْ تَسَوَّمَتْ"٢.

وَيَجُوزُ أَنْ يُجِيبَ إلَى الْبِرَازِ إذَا دُعِيَ إلَيْهِ.

فَقَدْ دَعَا أُبَيّ بْنُ خَلَفٍ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَى الْبِرَازِ يَوْمَ أُحُدٍ فَبَرَزَ إلَيْهِ فَقَتَلَهُ، وَأَوَّلُ حَرْبٍ شَهِدَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ بَدْرٍ، بَرَزَ فِيهَا مِنْ شُرَفَاءِ قُرَيْشٍ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَابْنُهُ الْوَلِيدُ وَأَخُوهُ شَيْبَةُ وَدَعَوْا إلَى الْبِرَازِ، فَبَرَزَ إلَيْهِمْ مِنَ الْأَنْصَارِ عَوْفٌ وَمَسْعُودٌ ابْنَا عَفْرَاءَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَالُوا: لِيَبْرُزَ أَكْفَاؤُنَا إلَيْنَا فَمَا نَعْرِفُكُمْ، فَبَرَزَ إلَيْهِمْ ثَلَاثَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، بَرَزَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إلَى الْوَلِيدِ فَقَتَلَهُ، وَبَرَزَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إلَى عُتْبَةَ فَقَتَلَهُ، وَبَرَزَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ إلَى شَيْبَةَ فَاخْتَلَفَا بِضَرْبَتَيْنِ أَثْبَتَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، وَمَاتَ شَيْبَةُ لِوَقْتِهِ وَاحْتُمِلَ عُبَيْدَةُ حَيًّا قَدْ قُدَّتْ رِجْلُهُ فَمَاتَ بِالصَّفْرَاءِ، فَقَالَ فِيهِ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ٣ "مِنْ الْمُتَقَارِبِ":


١ البلق: سواد وبياض، وكذلك البلقة -بالضم.
٢ ضعيف: رواه ابن أبي شيبة في مصنَّفه "٣٢٧٢٢"، وفي إسناده عمير بن إسحاق.
٣ هو الصحابي الجليل كعب بن مالك بن عمرو بن القين بن كعب بن سواد بن غنم -ينتهي إلى الخزرج- الأنصاري السلمي، أبو عبد الله، وقيل: أبو عبد الرحمن، أمه ليلى بنت زيد بن ثعلبة من بني سلمة. شهد العقبة واختُلِفَ في شهوده بدرًا، آخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين طلحة بن عبيد الله حين آخى بين المهاجرين والأنصار، وكان أحد شعراء النبي -صلى الله عليه وسلم- الذين كانوا يردُّون الأذى عنه.
وعرف به، وأسلم وشهد أحدًا والمشاهد كلها حاشا تبوك، فإنه تخلَّف عنها، وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا.

<<  <   >  >>