للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَنْ يَفْعَلَ مَا يَمْنَعُ مِنْهُ الشَّرْعُ، وَلَمَّا عَادَ جَيْشُهُ تَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَحْثُونَ عَلَى الْجَيْشِ التُّرَابَ وَيَقُولُونَ: يَا فُرَّارُ، لِمَ فَرَرْتُمْ فِي سَبِيلِ

اللَّهِ؟ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "لَيْسَ بِفِرَارٍ، وَلَكِنَّهُ الْكِرَارُ إنْ شَاءَ اللَّهُ".

فَصْلٌ:

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَحْكَامِ هَذِهِ الْإِمَارَةِ مَا يَلْزَمُ مِنْ أَمِيرِ الْجَيْشِ فِي سِيَاسَتِهِمْ، وَاَلَّذِي يَلْزَمُهُ فِيهِمْ عَشْرَةُ أَشْيَاءَ:

أَحَدُهَا: حِرَاسَتُهُمْ مِنْ غِرَّةٍ يَظْفَرُ بِهَا الْعَدُوُّ مِنْهُمْ، وَذَلِكَ أَنْ يَتَتَبَّعَ الْمَكَامِنَ وَيُحَوِّطَ سَوَادَهُمْ بِحَرَسٍ يَأْمَنُونَ بِهِ عَلَى نُفُوسِهِمْ وَرِجَالِهِمْ؛ لِيَسْكُنُوا فِي وَقْتِ الدَّعَةِ، وَيَأْمَنُوا مَا وَرَاءَهُمْ فِي وَقْتِ الْمُحَارَبَةِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَتَخَيَّرَ لَهُمْ مَوْضِعَ نُزُولِهِمْ لِمُحَارَبَةِ عَدُوِّهِمْ، وَذَلِكَ أَنْ يَكُونُوا أَوْطَأَ الْأَرْضِ مَكَانًا وَأَكْثَرَ مَرْعًى وَمَاءً وَأَحْرَسَهَا أَكْنَافًا وَأَطْرَافًا؛ لِيَكُونَ أَعْوَنَ لَهُمْ عَلَى الْمُنَازَلَةِ، وَأَقْوَى لَهُمْ عَلَى الْمُرَابَطَةِ.

وَالثَّالِثُ: إعْدَادُ مَا يَحْتَاجُ الْجَيْشُ إلَيْهِ مِنْ زَادٍ وَعلُوفَةٍ تُفَرَّقُ عَلَيْهِمْ فِي وَقْتِ الْحَاجَةِ؛ حَتَّى تَسْكُنَ نُفُوسُهُمْ إلَى مَادَّةٍ يَسْتَغْنُونَ عَنْ طَلَبِهَا؛ لِيَكُونُوا عَلَى الْحَرْبِ أَوْفَرَ، وَعَلَى مُنَازَلَةِ الْعَدُوِّ أَقْدَرَ.

وَالرَّابِعُ: أَنْ يَعْرِفَ أَخْبَارَ عَدُوِّهِ حَتَّى يَقِفَ عَلَيْهَا، وَيَتَصَفَّحَ أَحْوَالَهُ حَتَّى يُخْبِرَهَا، فَيَسْلَمَ مِنْ مَكْرِهِ، وَيَلْتَمِسَ الْغِرَّةَ فِي الْهُجُومِ عَلَيْهِ.

وَالْخَامِسُ: تَرْتِيبُ الْجَيْشِ فِي مَصَافِّ الْحَرْبِ، وَالتَّعْوِيلُ فِي كُلِّ جِهَةٍ عَلَى مَنْ يَرَاهُ كُفُؤًا لَهَا، وَيَتَفَقَّدُ الصُّفُوفَ مِنَ الْخَلَلِ فِيهَا، وَيُرَاعِي كُلَّ جِهَةٍ يَمِيلُ الْعَدُوُّ عَلَيْهَا بِمَدَدٍ يَكُونُ عَوْنًا لَهَا.

وَالسَّادِسُ: أَنْ يُقَوِّيَ نُفُوسَهُمْ بِمَا يُشْعِرُهُمْ مِنَ الظَّفَرِ، وَيُخَيِّلَ إلَيْهِمْ مِنْ أَسْبَابِ النَّصْرِ؛ لِيَقِلَّ الْعَدُوُّ فِي أَعْيُنِهِمْ، فَيَكُونُ عَلَيْهِ أَجْرَأَ وَبِالْجُرْأَةِ يَتَسَهَّلُ الظَّفَرُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إذْ يُرِيكَهُمْ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ} [الأنفال: ٤٣] .

وَالسَّابِعُ: أَنْ يَعِدَ أَهْلَ الصَّبْرِ وَالْبَلَاءِ مِنْهُمْ بِثَوَابِ اللَّهِ وَلَوْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْآخِرَةِ، وَبِالْجَزَاءِ وَالنَّفَلِ مِنَ الْغَنِيمَةِ إنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا} [آل عمران: ١٤٥] ، وَثَوَابُ الدُّنْيَا الْغَنِيمَةُ وَثَوَابُ

<<  <   >  >>