للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ فَضَيَّعُوهُ ... فَهُمْ عُمْيٌ عَنِ التَّوْرَاةِ بُورُ

كَفَرْتُمْ بِالْقُرَانِ وَقَدْ أَتَاكُمْ ... بِتَصْدِيقِ الَّذِي قَالَ النَّذِيرُ

فَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ ... حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ

فَلَمَّا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَلِكَ بِهِمْ جَلَّ فِي صُدُورِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ لَنَا فِيمَا قَطَعْنَا مِنْ أَجْرٍ؟ وَهَلْ عَلَيْنَا فِيمَا تَرَكْنَاهُ مِنْ وِزْرٍ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} [الحشر: ٥] ، وَفِي "لِينَةٍ" أَرْبَعَةُ أَقَاوِيلَ١:

أَحَدُهَا: أَنَّهَا النَّخْلَةُ مِنْ أَيِّ الْأَصْنَافِ كَانَتْ؟ وَهَذَا قَوْلُ مُقَاتِلٍ.

وَالثَّانِي: أَنَّهَا كِرَامُ النَّخْلِ، وَهَذَا قَوْلُ سُفْيَانَ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ الْفَسِيلَةُ؛ لِأَنَّهَا أَلْيَنُ مِنَ النَّخْلَةِ.

وَالرَّابِعُ: أَنَّهَا جَمِيعُ الْأَشْجَارِ لِلِينِهَا بِالْحَيَاةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُغَوِّرَ عَلَيْهِمُ الْمِيَاهَ وَيَقْطَعَهَا عَنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ نِسَاءٌ وَأَطْفَالٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَقْوَى أَسْبَابِ ضَعْفِهِمْ وَالظَّفَرِ بِهِمْ عَنْوَةً وَصُلْحًا، وَإِذَا اسْتَسْقَى مِنْهُمْ عَطْشَانُ كَانَ الْأَمِيرُ مُخَيَّرًا بَيْنَ سَقْيِهِ أَوْ مَنْعِهِ كَمَا كَانَ مُخَيَّرًا فِيهِ بَيْنَ قَتْلِهِ أَوْ تَرْكِهِ، وَمَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ وَارَاهُ عَنِ الْأَبْصَارِ وَلَمْ يُلْزَمْ تَكْفِينَهُ، قَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَتْلَى بَدْرٍ فَأُلْقُوا فِي الْقَلِيبِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحَرِّقَ بِالنَّارِ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا.

رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "لَا تُعَذِّبُوا عِبَادَ اللَّهِ بِعَذَابِ اللَّهِ" ٢.

وَقَدْ أَحْرَقَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ وَالْخَبَرُ لَمْ يَبْلُغْهُ، وَمَنْ قُتِلَ مِنْ شُهَدَاءِ الْمُسْلِمِينَ زُمِّلَ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا وَدُفِنَ بِهَا، وَلَمْ يُغَسَّلْ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ: "زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ فَإِنَّهُمْ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ


١ انظر: تفسير ابن جرير "٢٨/ ٣٢".
٢ صحيح: رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير "٣٠١٧"، والترمذي في كتاب الحدود "١٤٥٨"، والنسائي في كتاب تحريم الدم "٤٠٦٠"، وأحمد "١٩٠٤".

<<  <   >  >>