وإذا أردنا تعبيراً أدق فإنا نقول: إن صناعة التاريخ تتم تبعاً لتأثير طوائف اجتماعية ثلاث:
أ - تأثير (عالم الأشخاص)
ب - تأثير (عالم الأفكار)
جـ - تأثير (عالم الأشياء)
لكن هذه العوالم الثلاثة لا تعمل متفرقة، بل تتوافق في عمل مشترك تأتي صورته طبقاً لنماذج إيديولوجية من (عالم الأفكار)، يتم تنفيذها بوسائل من (عالم الأشياء)، من أجل غاية يحددها (عالم الأشخاص).
فالعمل التاريخي بالضرورة من صنع الأشخاص والأفكار والأشياء جميعاً، ومعنى هذا أنه لا يمكن أن يتم عمل تاريخي إذا لم تتوافر صلات ضرورية داخل هذه العوالم الثلاثة لتربط أجزاءها في نطاقها الخاص وبين هذه العوالم، لتشكل كيانها العام، من أجل عمل مشترك.
وكما أن وحدة هذا العمل التاريخي ضرورة، فإن توافق هذه الوحدة مع الغاية منها- وهي التي تتجسم في صورة (حضارة) - يعد ضرورة أيضاً. وهذا الشرط يستلزم كنتيجة منطقية وجود (عالم) رابع، هو مجموع العلاقات الاجتماعية الضرورية أو ما نطلق عليه (شبكة العلاقات الاجتماعية).
ولقد أشرنا فيما مضى إلى أن المجتمع ليس مجرد كمية من الأفراد، وإنما هو اشتراك هؤلاء الأفراد في اتجاه واحد، من أجل القيام بوظيفة معينة ذات غاية، ونضيف الآن أن (عمل) المجتمع ليس مجرد اتفاق (عفوي) بين الأشخاص والأفكار والأشياء، بل هو تركيب هذه العوالم الاجتماعية الثلاثة، التركيب الذي يحقق معه ناتجُ هذا التركيب في اتجاهه وفي مداه (تغييرَ) وجوه الحياة، أو بمعنى أصح: تطور هذا المجتمع.