بينا فيما سبق أن الوجود الحقيقي لمجتمع ما يبدأ بتكوين شبكة علاقاته، وحاولنا أن نشرح في أي الظروف والشروط التاريخية تتكون هذه الشبكة، تبعاً لوجهات النظر المختلفة باختلاف المدارس الفكرية.
ولقد تناولت هذه المحاولة في التفسير الأشياء في المستوى الاجتماعي، مستوى العدد، ورأينا الدور الذي يؤديه الدين في هذا المستوى حين يتدخل في التركيب الاجتماعي في شكل قيم أخلاقية، متجسدة في العرف والعادات، والتقاليد والقواعد الإدارية والمبادئ التشريعية، وأحياناً تتجسد في أكثر تشكيلات المجتمع ظهوراً، كما في طوائف المجتمع الهندي.
ونحاول الآن أن نرى في أي الظروف يندمج الفرد في الحياة الاجتاعية. ولئن كانت المشكلة قد صيغت من قبل بلغة الاجتماع، فمن الواجب الآن أن نصوغها قصداً بلغة علم النفس والاجتماع، أي إننا ينبغي أن نلجأ خاصة إلى نظرية الفعل (المنعكس الشرطي) لجوءاً نخلع معه على مصطلح بافلوف تفسيراً اجتماعياً.
ولقد سبق أن قلنا: إن المجتمع ليس مجرد عدد من الأفراد، وينبغي أن نحدد هنا أن وحدة هذا المجتمع ليست الفرد، ولكنها الفرد المشروط (المكيف). فإن الطبيعة تأتي بالفرد في حالة بدائية، ثم يتولى المجتمع تشكيله، ليكيفه طبقاً لأهدافه الخاصة، وهو المعنى الذي يقصد إليه رسول الله! في قوله:
«كل مولود يولد على الفطرة ة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجّسانه».