فذلك هو التكييف الذي يجعل الفرد أهلاً لأن يتخذ مكانه، ولأن يقوم بدوره في المجتمع. أي إننا ينبغي إجمالاً أن نحدد العلاقة التي يحتمل أن تكون بين مجموعة من الأفعال المنعكسة المنظمة لسلوك الفرد، وبين شبكة العلاقات التي تتيح لمجتمع ما أن يؤدي نشاطه المشترك.
فكما أن الفرد والمجتمع- في الظروف العادية- يعملان في الاتجاه نفسه، فإن هناك تبادلاً بين الانعكاس الفردي والعلاقة الاجتماعية. وبفضل هذا التبادل ينبغي أن نتوقع تدخل الواقع الديني في هذا الجانب الجديد من المسألة.
ويجب أن نلاحظ مباشرة تأثير الانعكاس في الحياة الاجتماعية، إذ نجد أن هذا التأثير يتطور مع عمر المجتمع.
فإذا وجدنا أن أبا ذر الغفاري يسيء إلى بلال في لحظة من لحظات السأم، كان ذلك أمارة على أن المجتمع الإسلامي لما يزل جنيناً في نفسية المسلم.
ومع ذلك فإن أبا ذر الغفاري تعاوده صحوة ضميره، فينقلب من فوره مرتمياً على قدمي بلال يسترضيه ويعتذر إليه.
وعليه، فالفرد يكتسب مجموعة انعكاساته، كما يكتسب المجتمع شبكة علاقاته، والعلاقة وثيقة بين جانبي المسألة: فهي علاقة كونية تاريخية. إذ أن المجتمع يخلق الانعكاس الفردي، والانعكاس الفردي يقود تطوره.
ويمكننا بفضل هذا التبادل أن نتخذ من المرض الاجتماعي دليلاً على الفساد في شبكة العلاقات، أو أمارة على التحلل في نظام الأفعال المنعكسة.
ولقد بينا فيما سبق، فيما يتصل بالمجتمعات التاريخية المعاصرة- بصرف النظر عن المجتمعات التي خرجت من التاريخ، أو التي تحجرت فأصبحنا نطلق عليها (المجتمعات البدائية)، ولا نستطيع أن نصدر عليها حكماً ما- أن أصول هذه المجتمعات تمتد إلى أعماق غيب ميتافيزيقي.