وهكذا تحتمل فكرة (الحركة التاريخية) تفسيرات عدة، فمؤرخ كتوينبي يقدم في تفسيرها تأثير الوسط الطبيعي، وعالم الاجتماع يستطيع إذا هو اعتمد على تعاليم المدرسة الماركسية أن يغلب تأثير العامل الاقتصادي.
ولكنا نجد في التحليل الأخير أن آلية الحركة التاريخية إنما ترجع في حقيقتها إلى مجموع من العوامل النفسية الذي يعد ناتجاً عن بعض القوى الروحية، وهذه القوى الروحية هي التي تجعل من النفس المحرك الجوهري للتاريخ الإنساني.
وهكذا وجدنا في مستهل القرن التاسع عشر أحد كبار المؤرخين (جيزو)، يحلل الحركات التاريخية في أوربا، فيرد المشكلة إلى حدود علم الاجتماع وعلم النفس معاً. فالمؤرخ الفرنسي الكبير يرى أن التاريخ بصفته (علم ما وقع فعلاً) يمكن أن يتناول موضوعه بطريقتين: فإما أن يجد مجال دراسته في الفرد نفسه، في كل ما يؤثر في حياته، وينير من صفات إنسانيته، وإما أن يجده في الوسط الذي يحيط بهذا الفرد، أعني في كل ما يؤثر في حياة المجتمع، ويغير من صفاته، والتاريخ على أية حال ليس سوى هذا التغيير الذي تتعرض له (الذات)، والمجال الذي يحوطها على سواء.
أي إنه على ما ذهب إليه علم الاجتماع:(النشاط المشترك) المستمر الذي تقوم به الكائنات والأفكار والأشياء، مطبوعاً على صفحة الزمان.