للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الثروة الاجتماعية]

لا يقاس غنى المجتمع بكمية ما يملك من (أشياء)، بل بمقدار ما فيه من أفكار.

ولقد يحدث أن تلم بالمجتمع ظروف أليمة، كأن يحدث فيضان أو تقع حرب، فتمحو منه (عالم الأشياء) محواً كاملاً، أو تفقده إلى حين ميزة السيطرة عليه، فإذا حدث في الوقت ذاته أن فقد المجتمع السيطرة على (عالم الأفكار) كان الخراب ماحقاً. أما إذا استطاع أن ينقذ (أفكاره) فإنه يكون قد أنقذ كل شيء، إذ أنه يستطيع أن يعيد بناء (عالم الأشياء).

لقد مرت ألمانيا بتلك الظروف ذاتها، كما تعرضت روسيا لبعضها، إبان الحرب العالمية الأخيرة. ولقد رأت الدولتان- وخاصة ألمانيا- الحرب تدمر (عالم الأشياء) فيهما. حتى أتت على كل شيء تقريباً. ولكنهما سرعان ما أعادتا بناء كل شيء، بفضل رصيدهما من الأفكار.

هذا البناء هو في ذاته نوع من العمل المشترك الذي يقوم به مجتمع معين، ولقد رأينا فيما تقدم أن تمام هذا العمل ضرب من المستحيل، ما لم تكن هناك شبكة العلاقات التي تنظمه، وتجعله سبيلاً إلى غاية معينة. وبذلك نستنتج أن ثروة الأفكار وحدها ليست بكافية، كما دلنا على ذلك تاريخ المجتمع الإسلامي في موقفين.

فعندما بدأ هذا المجتمع دخوله حلبة التاريخ في القرن السابع الميلادي كان (عالم أفكاره) ما زال جنيناً غامضاً، إذا ما قيس بالمجتمعات المتحضرة التي غزاها وهزمها في مصر وفي فارس وفي الشام.

<<  <   >  >>