للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإذا ما نظرنا إليه وقد أخذ بعد ذلك بستة قرون يترنح في مهاوي التدهور والانحطاط، وجدناه يملك أغنى مكتبات العالم آنذاك .. !! ..

لقد انهار تحت ضربات شعوب حديثة العهد بالوجود، كالإسبانيين الذين كان (عالم أفكارهم) لا يزال فقيراً نسبياً. وبذلك نرى أن المكتبات لا تغني من الهزيمة شيئاً.

ففاعملية (الأفكار) تخضع إذن لشبكة العلاقات، أي إننا لا يمكن أن نتصور عملاً متجانساً من الأشخاص والأفكار والأشياء دون هذه العلاقات الضرورية. وكما كانت شبكة العلاقات أوثق، كان العمل فعالاً مؤثراً.

وعليه، فإذا كانت ثروة مجتمع معين يتوقف تقديرها على كمية أفكاره من ناحية، فإنها مرتبطة بأهمية شبكة علاقاته من ناحية أخرى.

والحد المثالي للتطور الاجتماعي الذي يمكن أن يبلغه مجتمع ما، متوقف على الحالة التي يحقق فيها هذا المجتمع أفضل الظروف النفسية الزمنية لأداء نشاطه المشترك.

وهذا يحدث بوجه عام عندما يكون المجتمع في حالة النشوء: كالمجتمع الإسلامي في العهد المدني، وكالمجتمع المسيحي في مغارات روما، إذ إنه في هذه الحالة يحقق أرفع درجات الاندماج والانسجام، فيكون التوتر الأخلاقي قد بلغ ذروة درجاته.

ويبلغ المجتمع الحد النهائي في تطوره عندما يفقد بالتدريج خاصة الانسجام، فيتفرق أفراده ذرات، ويصبح في نهاية تحلله عاجزاً تماماً عن أداء نشاطه المشترك. أي إنه يتوقف عن أن يكون (مجتمعاً) بالمعنى الدقيق الذي نقصد إليه من هذه الكلمة في عرضنا.

وطبيعي أن نجد العناصر الوظيفية في المجتمع تتغير بين هذين الحدين، في

<<  <   >  >>