لم تبلغ العلوم الإنسانية بعد درجة تحديد مصطلحاتها عامة، كما حدث للعلوم الطبيعية، فإن في علم الاجتماع بعض المفاهيم التي تبدو أحياناً غير محددة في ذهن القارئ في البلاد الإسلامية، حيث نجد أن اللغات المحلية لا تتمثل تماماً المصطلحات الحديثة.
وقد يؤدي تعقد المصطلحات إلى مناقشات أقرب إلى الطابع الأدبي منها إلى منطق العلم، كتلك المناقشة التي ثارت وتثور غالباً حول مصطلحي حضارة، ومدنية في البلاد العربية. بيد أن هذه المناقشات لا تعين على جلاء الموضوع، بل تجعله أكثر صعوبة.
فمن المفيد إذن أن ننشئ أولاً الإطار النظري لموضوعنا (ميلاد مجتمع) قبل أن نعالجه من زاويته التاريخية. وهكذا نجد من المناسب أن نذكر في مستهل دراستنا تنوع الظواهر الاجتماعية، التي تنطبق عليها لفظة مجتمع، فنذكر أولاً الفرق الجوهري بين (المجتمع الطبيعي) أو البدائي، وهو الذي لم يعدّل، بطريقة مُحَسَّة، المعالم التي تجدد شخصيته منذ كان، وبين المجتمع التاريخي الذي ولد في ظروف أولية معينة؛ ولكنه عدّل من بعد، صفاته الجذرية ابتداء من هذه الحالة الأولية، طبقاً لقانون تطوره.
وـ[النوع الأول]ـ يحقق نموذج المجتمع الساكن ذي المعالم الثابتة، كالمجتمعات الموجودة في مستعمرة النمل أو النحل. والقبيلة الإفريقية في عصر ما قبل الاستعمار، والقبيلة العربية في العصر الجاهلي تمثلان هذا النموذج.