هناك ظروف يشعر فيها الجسم مباشرة وبطريقة عفوية بالمعنى الأولي لبعض الأشياء، التي لا يدرك مغزاها أحياناً الفكر نفسه، بوساطة الطرق التي يتبعها العقل.
وهكذا يمكن أن نتعلم في هذه الظروف المعنى الأولي للحضارة، وأن معنى التحضر: أن يتعلم (الإنسان) كيف يعيش في جماعة، ويدرك في الولت ذاته الأهمية الرئيسية لشبكة العلاقات الاجتماعية، في تنظيم الحياة الإنسانية، من أجل وظيفتها التاريخية.
فإذا فهمنا هذا أدركنا في هذه الحالة قيمة نظام الدفاع الذي ينصبه مجتمع بطريقة غريزية حول شبكة علاقاته، كما يحميها من أي مساس بها.
فجميع التعاليم المقدسة التي يحيط بها مجتمع ما- ولو كان بدائياً- حياته الاجتماعية، هي في الواقع ترجمة ذات أشكال خاصة عن هذا النظام الدفاعي الذي يحوط شبكته، ولكنها ترجمة ذات حظ متفاوت من التوفيق.
وجميع القوانين التي أملتها السماء، أو وضعتها محاولات البشر، هي في حقيقة الأمر إجراءات دفاعية لحماية شبكة العلاقات الاجتماعية، وبدونها لا تستطيع الحياة الإنسانية أن تستمر، لا أخلاقياً، ولا مادياً.
فالوصايا العشر الموحاة إلى موسى هي أقوى الصور التي تظهر فيها تلك الإرادة العليا التي تحوط وجودنا من كل جانب بشبكة من الحماية الإلهية، وهي تعلمنا أن نعيش مع أهلينا وأقربائنا:((أمك وأبوك، وقرهما، لا تقتل، لا تسرق، لا تكذب .. )).