للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

هذا هو أول نظام للدفاع الفعال الذي يحوط شبكة العلاقات الاجتماعية من أجل حمايتها، في أي مجتمع وليد، ذلك المجتمع الذي سيحقق وعد الله لذرية إبراهيم، ويتم هذا في رسالة النبي العربي، وفي النشاط المشترك الذي تضطلع به أمته، تلك الأمة (الوسط) التي يناط بها تحقيق العلاقة بين الإنسانية المتحضرة الممثلة في شخص (سلمان)، والإنسانية العذراء الممثلة في شخص (بلال)، وهي العلاقة التي تمد جذورها البعيدة في أعماق تلك الوصية الإلهية الأولى: ((لا يكن لك من آلهة أمامي)) (١).

إن جميع المبادئ الأخلاقية، دينية كانت أو لا دينية إنما تنتهي إلى هذا الأساس المقدس الذي يرتفع فوقه بناء الأنسانية الأخلاقية، كما أنه هو الذي يؤمن نشاطها المشترك.

بل إن جميع التعاليم المقدسة التي دانت لها الإنسانية العذراء وجميع المبادئ الأخلاقية التي اتخذتها الإنسانية المتحضرة ليست إلا تطبيقاً متنوعاً لتعاليم أخلاقية مشتركة، يختلف التطبيق فيها تبعاً لتعاقب ظروف التاريخ الإنساني، والهدف الأساسي لهذه التعاليم هو الدفاع عن شبكة العلاقات الاجتماعية، التي يقوم عليها كل مجتمع، كيما يؤدي نشاطه المشترك في التاريخ.

وليست القوانين الحديثة سوى تطبيق لهذه التعاليم في حالات خاصة، ناشئة عن الحياة، وعن التجربة الخاصة لمجتمع يؤدي نشاطه المشترك، في مستوى قومي وعالمي معاً. وكل قانون من هذه القوانين، هو في نهاية الأمر، للإقلال من الآثار المفرقة الطردية، والإكثار من الآثار الموثقة الجذبية في شبكة العلاقات، التي تتيح له جميع أوجه النشاط الاجتماعي، وتشملها جميعاً، ابتداء من أكثرها بساطة، في المجتمعات، إلى أشدها تعقيداً، في المجتمعات التي ارتقت سلم الحضارة صعداً.


(١) العهد القديم- سفر الخروج- الإصحاح العشرون.

<<  <   >  >>