وإلا فماذا يقصد بالإقلال من الآثار المفرقة الطردية، والإكثار من الآثار الموثقة الجذبية في العلاقات المتحققة بين أفراد مجتمع معين، إن لم يكن يقصد بها تعليم هؤلاء الأفراد كيف يعيشون معاً، أعني: كيف يتحضرون.
لا تصرق .. لا تقتل .. لا تكذب .. ماذا تعني هذه الكلمات .. إنها تعني بلا شك أشياء كثيرة، ولكن أهم هذه الأشياء هو الإقلال من الآثار الطردية في ميول الأفراد الذين يكونون المجتمع.
وكلمات مثل:((تصدق .. أحبب أخاك كما تحب نفسك .. احترم الوعد الذي تبذله .. )) ماذا يقصد بها.؟ أشياء كثيرة ولا شك. ولكن أمها جميعاً هو الإكثار من الآثار الجذبية في الميول الجماعية التي توحد الأفراد في مجتمع.
وماذا يقصد بهذه التعاليم الأخلاقية- التي يستخف بها أحياناً أولئك الذين يدعون تحضيرنا، بإطلاق غرائزنا من عقالها- سوى أنها تضعنا على طريق الحضارة، وهي تعلمنا فن الحياة مع أقراننا.؟؟
وبهذا وحده تختلف الثقافة في جوهرها عن العلم.
فليست الثقافة سوى تعلم الحضارة، أعني استخدام ملكاتنا الضميرية والعقلية في عالم الأشخاص.
وليس العلم سوى بعض نتائج الحضارة، أي إنه مجرد جهد تبذله عقولنا حين تستخدم في عالم الأشياء.
فالأولى تحركنا وتقحمنا كلية في موضوعها. وأما الثاني لإنه يقحمنا في مجاله جزئياً.
والأولى تخلق علاقات بيننا وبين النظام الإنساني، والآخر يخلق علاقات بيننا وبين نظام الأشياء.