للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ومن هنا يتبين لنا أن الذين عملوا على تحرير غرائزنا، مدعين أنهم يحضروننا بعملهم هذا- يكشفون تماماً عن جهلهم: فهم يعرفون كلمة: (حضارة)، وربما كان مصدر تعلمهم هذه الكلمة معجم لغوي، أو صحيفة سيارة، على حين يجهلون تماماً ماذا تعني في الواقع.

هؤلاء الأساتذة المتساهلون في الحضارة هم في الواقع شر أعداء التقدم: إنهم قوارض، يقرضون جوهر الحضارة ذاته، كما تقرض الفئران كومة من القمح، لتحيله غير صالح لشيء.

فإذا احتجنا اليوم أن نعد في بلادنا دفاعاً من أجل الحضارة، فمن الواجب أن يكون دفاعاً ضد هذه القوارض.

ومن الواجب أن يعد مجتمعنا جائزة كبرى لمن يستطيع أن يكشف عن أحسن مبيد للفئران، دفاعاً عن شبكة علاقاته ضد هذه القوارض.

ومع ذلك فليست هذه القوارض وحدها النوع الحيواني الذي يهدم المجتمع، حين يقرض شبكة علاقاته التي تعينه على أداء نشاطه المشترك، بل إن هناك نوعين من خيانة المجتمع:

ـ[نوع يهدم روحه، وآخر يهدم وسائله]ـ.

والخيانة الأولى تخلق الفراغ الاجتماعي حين تهدم المبادئ والأخلاق والروح، وهي الأمور التي تبقي للمجتمع التوتر الضروري، كيما يواصل نشاطه المشترك في التاريخ.

والخيانة الثانية تخلق الفراغ حين توجه جميع الملكات المبدعة وجميع الفضائل الأخلاقية في المجتمع خارج عالم الوقائع والظواهر.

فإحدامها تجهل أوامر السماء، والأخرى تجهل مقتضيات الأرض، ولكنهما

<<  <   >  >>