ومع ذلك فإن شبكة العلاقات الضرورية لأداء العمل الاجتماعي المشترك ليست نتيجة أولية تستحدثها العوالم التي يتكون منها مجتمع معين، بل هي نتيجة لظروف والشروط التي تحدث الحركة التاريخية نفسها.
ولقد رأينا أن هذه الحركة يمكن تفسيرها على أنها ثمرة لتعارض معين طبقاً لمنهج (هيجل)، أو على أنها إجابة على تحدٍّ معين على ما ذهب إليه (توينبي).
والمعلوم أن أول عمل يؤديه مجمتع معين في طريق تغيير نفسه مشروط باكتمال هذه الشبكة من العلاقات. وعلى هذا نستطيع أن نقرر أن شبكة العلاقات هي العمل التاريخي الأول الذي يقوم به المجتمع ساعة ميلاد .. ومن أجل ذلك كان أول عمل قام به المجتمع الإسلامي هو الميثاق الذي يربط بين الأنصار والمهاجرين. وكانت الهجرة نقطة البداية في التاريخ الإسلامي، لا لأنها تتفق مع عمل شخصي قام به النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكن لأنها تتفق مع أول عمل قام به المجتمع الإسلامي، أي مع تكوين شبكة علاقاته الاجتماعية، حتى قبل أن تتكون تكوناً واضحاً عوالمه الاجتماعية الثلاثة.
فإن التاريخ إنما يبدأ في الواقع قبل أن تتكون هذه العوالم، وذلك واضح في حالة المجتمع الإسلامي ساعة ميلاده. كما أنه قد ينتهي- أحياناً- بينما المجتمع غني بما فيه من (أشخاص) و (أفكار) و (أشياء). كما قد حدث أيضاً للمجتمع الإسلامي إبان أفوله، أي عندما نجم في تطوره مركب القابلية للاستعمار. لقد كان المجتمع الإسلامي آنذاك غنياً، ولكن شبكة علاقاته الاجتماعية قد تمزقت.