وهو ما ألمح إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - دون شك- للتربية لا لمجرد الخبر- في قوله:«يوشك أن تداعى الأمم عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. قالوا: أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: لا، بل أنتم كثير، ولكنم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور أعدائكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن. قيل: وما الوهن يا رسول الله .. ؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت». لقد كان هذا الحديث ضرباً من التنبؤ والاستحضار: استحضار صورة العالم الإسلامي بعد أن تتمزق شبكة علاقاته الاجتماعية، أي عندما لا يعود مجتمعاً، بل مجرد تجمعات لا هدف لها كغثاء السيل.
ولا ريب أن جيلنا الحاضر يدرك هذا الحديث أكثر مما كان يدركه أصحاب النبي، لأنه يصف في مضمونه العالم المستعمر والقابل للاستعمار، الأمر الذي تعرضنا فيه لتجربة شخصية.
ومهما يكن من شيء، فإن أحداً من الناس لا يستطيع أن يدعي أن هذه العلاقات مجرد أثر ناتج عن إضافة أشخاص وأفكار وأشياء إلى المجتمع. فالواقع أننا حين نتحدث عن عالم من هذه العوالم الثلاثة، فإنما نقصد إلى الحديث عن المجتمع في مرحلة من مراحل تغييره، أي في مرحلة يعد كل عالم منها- في ذاته- ثمرة هذا التغيير.
(فالشخص) في ذاته ليس مجرد فرد يكون النوع، وإنما هو الكائن المعقد الذي ينتج حضارة. وهذا الكائن هو في ذاته نتاج الحضارة، إذ هو يدين لها بكل ما يملك من أفكار وأشياء.
وبعبارة أخرى كل من العوالم الاجتماعية الثلاثة يتفق مع الصيغة التحليلية التالية: