بينا فيما سبق أن شبكة العلاقات الاجتماعية هي التي تؤمن بقاء المجتمع، وتحفط له شخصيته، وأنها هي التي تنظم طاقته الحيوية لتتيح له أن يؤدي نشاطه المشترك في التايخ.
وبديهي أننا لا نستطيع أن نفترض أن الاستعمار يجهل أهمية هذه العوامل في بلد مستعمَر، فهو يطبق بصددها سياسة مناسبة.
هذه السياسة تتجلى في ألف صورة، وحسبنا فيما أعتقد، أن نصرب لها مثلاً تلك القصة الصغيرة التي حكاها لي أبي الموظف بأحد المراكز جنوب شرقي الجزائر، حيث كان يعمل في إحدى الوظائف المتواضعة، فقد كان المدير الفرنسي لهذا المركز رجلاً عالماً (١)، ينظم سلوكه وفقاً لما يمليه ضميره، أكثر من أن يكون وفقاً لتقديرات الإدارة العليا.
وكانت في هذا المركز عائلتان جزائريتان كبيرتان، ظلتا في شجار دائم، على أثر خلاف نشب بينهما منذ أمد بعيد. ولكن المدير الفرنسي أفلح في إقرار المصالحة يينهما. ولما كان سعيداً بمأثرته في إقرار السلام بين الأسرتين، فقد حكى قصته أمام جمهور كبير لأحد رؤسائه الإداريين، أثناء التفتيش في المنطقة.
وانحدرت القصة إلي من طريق أبي. قال:
لقد استشاط الرئيس الأعلى غضباً، حتى إنه لم يتمالك أن صاح بأعلى صوته قائلاً للعالم التائه بين دواليب الإدارة الاستعمارية:
(١) هو البروفسور ريجاس Reygass المعروف في الميدان العلمي للأبحاث، المتصلة بعصر ما قبل التاريخ في الشمال الأفريقي، وهو أستاذ هذا الكرسي في جامعة الجزائر.