سيدي المدير: إننا لم نرسلك هنا قاضي مصالحات، لتهدئة المعارك، التي قد تفيد أحياناً مصلحتنا العليا ..
هذه القصة الصغيرة كافية فيما أعتقد لترينا أن الاستعمار يطبق في سياسته إزاء البلد المستعمَر روح الحكمة القائلة:((فرق تسد)). بيد أنه ينبغي أن ندرك ماذا يعني هذا في الأحداث اليومية لهذه السياسة.
ونحن نحمل في كياننا بكل أسف (النظارة) التي تحدد بصورة شاذة مدى بصرنا في هذا الميدان.
فنحن ندرك جيداً النشاط الاستعماري عندما يكون مرئياً واضحاً، كأنه لعبة أطفال. ولكنا لا ندرك مجال هذا النشاط ولا وسائله منذ اللحظة التي يصبح فيها دقيقاً ... كلعبة الشيطان.
نحن ندرك مثلاً وسائله التي استخدمها لقتل الثورة الجزائرية، كالدبابة والطائرة، وقنابل النابالم ... فذلك شيء مرئي واضح، وهو بهذه الوسائل قد قتل مليوناً من الجزائريين، أعني أنه قضى على جانب كبير من الطاقة الحيوية في بلادنا، وهذا أيضاً شيء مرئي واضح.
وقد ندرك أيضاً نشاط الاستعمار في هذا البلد، عندما نجح الشعب الجزائري- في إحدى المراحل الحاسمة من تاريخه- في أن يجمع طاقته الحيوية كلها لخدمة فكرة معينة، وتبلورت هذه الطاقة في شبكة علاقات اجتماعية هائلة، تجلت في أجلى صورها عام ١٩٣٦، في المؤتمر الشعبي الجزائري.
إن الاستعمار هذه المرة لم يخرج فرقه العسكرية لتحطيم الطاقة الحيوية في الشعب الجزائري، وهدم شبكة علاقاته الاجتماعية. فقد كان بحسبه أن يغتال رجلاً واحداً حتى يبث الفوضى والاضطراب ... وقد فعل!!