ثم إنه ألقى ببعض المال في ضمير أحد الزعماء السياسيين، الذين كانت تتجسد فيهم في فترة معينة طاقة البلاد الحيوية، وفكرة نضالها.
وتكفلت الأحزاب السياسية ببقية العمل، كل منها يريد أن يرث المؤتمر الشعبي الجزائري، وأن يحول لمصلحته الشخصية شبكة العلاقات الاجتماعية، التي تمثلت للمرة الأولى على مستوى قومي.
هذا عمل دقيق نوعا ما، ولكنه أيضاً مرئي واضح بقدر كاف.
إن عمل الاستعمار يتلاحق كل يوم في صورة أكثر دقة وخفاء، تلاحقاً لا يعود معه في مقدورنا أن ندرك منه شيئاً، فإن لنا أوضاعاً عقلية تحول بيننا وبين أن نتتبع اللعب حين لا يكون مرئياً أو واضحاً، وحين تكون الوسائل المستخدمة في قدر حبات الرمل. ذلك أن حبة رمل واحدة كافية أحياناً لإيقاف محرك، إذا ما تسربت إلى أحد أجهزته. وبعبارة أخرى: قد تكفي لذعة إبرة في مكان مناسب ليحل الشلل بشبكة العلاقات الاجتماعية في بلد مستعمر، كما يكفي (لا شيء) لشل الجهاز العصبي في مكان حي أحياناً.
ذلك فن دقيق شبيه بفن زرع اللآلئ الذي أتاح لليابان أن تحقق أرقى طرق الزراعة، زراعة الجواهر.
وإنا لندرك جيداً أن الاختصاصيين الذين يعملون لحساب الاستعمار أساتذة في ذلك الفن المطبق على الشبكات الاجتماعية، وعلى الطاقة الحيوية التي يملكها شعب، مستعمر فعلاً، أو مهدد بمؤامرات الاستعمار.
ولا ريب أن الأمثلة السابقة ترينا كيف يعمل هؤلاء الفنانون في بلد عربي كالجزائر، لتمزيق شبكة علاقاته السياسية في لحظة معينة، ولشتيت طاقته الحيوية المنظمة، والمتمثلة آنذاك في المؤتمر الشعبي.